الرأي

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «1-6»

هل من تجديد للخطاب الديني؟ «1-6»



يقود الخلاف حول تحديد مفهوم الخطاب الديني وتجديده إلى اختلالات جذرية تتعلق بطبيعة هذا الخطاب وخصائصه وحتى مناهجه ومن ثم واقعه «المأزوم» في المرحلة الراهنة!
وربما كان من البديهي أن نتساءل عما نرى ونسمع وندرك عقلاً ونقلاً – من خطاب يتناول عرض الدين الإسلامي من حيث انتمائه – أو عدم انتمائه – للخطاب الإسلامي الصحيح؟
وما يطرحه ذلك من فرضيات حول الأطر المنهجية التي تم تطبيقها لتحليل الخطاب الراهن اتكاءً على مدى اعتماد النسق المعرفي لعلم اجتماع المعرفة، وأدوات التحليل المتمثلة في «مسار البرهنة»، وما يرتبط بها من تركيبات منطقية واستدلالات حجاجيه قابلة للفهم، وكذلك «تحليل القوى الفاعلة» أو رصد مدى التباين بين التصورات الأخرى - غير الخطاب الإسلامي - ودورها في الصراع أو الاتفاق مع هذا الخطاب هذا إلى جانب أداة «تحليل الأطر المرجعية» التي تعتمد على المقاربة المنهجية للمنطلقات الفكرية المتباينة وما تمثله من أيديولوجيات متصارعة عبر استدعاء الرموز، والحوادث التاريخية، أو الكلمات!
إن مصطلح «الخطاب» – تاريخياً – يعود إلى مقولات علم المنطق بمعنى أنه تعبير عن فكر متدرج عبر قضايا مترابطة، وهو كما يعرفه «بنفيست» «كل نطق أو كتابة تحمل وجهة نظر محددة من الكاتب أو المتكلم بغرض التأثير وإقناع السامع أو القارئ مع أخذ السياق في الاعتبار» «د. هشام عبدالمقصود، 2012».
ويعنى ذلك أن دراسة أو تحليل أي خطاب - ومنه الخطاب الديني - يفترض وجود منتج محدد يعبر عن رأي أو رؤية وسط مجموعة من الآراء أو الرؤى المختلفة حيث يكون الهدف هو إقناع الجمهور بهذه الرؤية، والتأثير فيه بما يتطلبه ذلك من محاججة منطقية، وعن طريق الأشكال الفنية التي تحقق هذا التأثير، والحقيقة أن الجانب الاتصالي بمعناه «التفاعلي» في الخطاب عموماً – والديني خصوصاً – يعد شرطاً حاسماً لنجاح أو فشل عملية «التأثير»، حيث تعد الخطابات عملية لإنتاج وإعادة إنتاج للمعنى، وهي كذلك نتاج لتكوينات اجتماعية وتاريخية ومؤسساتية يتم فيها إنتاج هذا المعنى، فاللغة، والصورة، والحركة، والإشارات ليست نسقاً مجرداً جامداً بل هي ميدان للنزال «الأيديولوجي» وجزء أصيل من الواقع الاجتماعي، ومن خلالها يتم تحويل الأفكار السياسية والدينية والاجتماعية إلى صراعات عبر الرموز ذات الشحنات الدلالية المميزة المتأثرة بالأطر الزمنية والموضوعية للأحداث، «تيري إيجلتون،1991».
وفي داخل هذا السباق يصبح الخطاب مرادفاً لتصور أو موقف جماعة أو شخص ما بشأن قضية مطروحة، وهو يعبر عن أيديولوجية الأفراد والجماعات حيث هذه الأيديولوجية هي مجموعة منتظمة – ومترابطة – من الأفكار والأحكام والمعتقدات الخاصة بجماعة معينة في نظرتها للواقع وللجماعات الأخرى، وهنا يصبح صراع «الخطابات المختلفة» مع الخطاب الديني – مثلاً – تعبيراً عن الحالة التنافسية التي تسود بين أنواع الخطابات وصراعاتها للتأثير في الجمهور، وهي حالة تعبر عن صراع – الأيديولوجيات المتنافسة – حيث تكون اللغة هي المنتج النهائي المعبر عن الصراع، فاللغة هي المادة التي تصاغ منها المقولات الأيديولوجية ووسائلها وكذلك تبريراتها!
أما فيما يتعلق بتجديد مفهوم الخطاب الديني الإسلامي فإننا نصطدم بالاختلال الأول من حيث اتساع مفهومه عند البعض وضيقه عند البعض الآخر، فبينما يتسع هذا المفهوم ليشمل كل مجالات الإنتاج الفقهي والفكري للمسلمين مع استثناء «الوحي السماوي»، فإن البعض يحدده في طريقة وأسلوب عرض الدين الإسلامي أو «الإنتاج الفكري» معتمداً على أدوات تحليل الخطاب، ونظرية التواصل، والتداولية والبلاغة، ولسانية النص، مع ملاحظات منهجية كثيرة ضمن هذا الطرح! يتبع.