الرأي

أسئلة ليلة رأس السنة الجديدة

ماذا لو..؟












في ليلة رأس السنة ينشغل الناس بمسائل ثلاث: الأولى ينشغل بها عامة الناس وهي صياغة أمنيات العام الجديد وإرسالها عبر كافة وسائل التواصل لمن يحبون ولمن يعرفون ولا يعرفون. المسألة الثانية ينشغل بها كثير من الناس، وهي تتبع تنبؤات العام الجديد التي تميز بها بعض الفلكيين والمتنبئين. المسألة الثالثة وينشغل بها نسبة أكثر من الناس وهي متابعة احتفالات المدن الكبرى بالدقيقة الأخيرة في العام المنصرم وإعلان الدقائق الأولى من العام الجديد.
وحين تأملت أغلب أمنيات الناس للعام الجديد التي تداولوها وجدتها تكاد تدور حول أمنية واحدة وإن تعددت معانيها، هي أمنية السلام للأوطان وللناس وللذات. وانشغال الناس بهاجس السلام في العام الجديد هو دليل استقراء خاص لأحداث العام المنصرم وتنبؤاتهم للعام القادم. فالعام المنصرم بلغ أوج تعقده بانعدام السلام في المنطقة. وكون الأمر قد تراكم في عقود عديدة فلابد من زيادة التكور أو بدء انحلال العقد وهو ما لن يقل دموية عن تراكمها.
والحقيقة الذهنية التي صاغت تلك الأمنيات هو خزانة الصور التي ادخرتها أدمغتنا عن مآسي العام الماضي في عالم صارت الصور تشكل جزءاً كبيراً من ثقافته. إذ كان أغلبنا يصوغ أمنياته متذكراً صور الذين قطعت رؤوسهم أو أحرقوا، وصور الذين عبروا البحار والمحيطات ولفظت الأمواج العاتية جثث بعضهم. أنا شخصياً تفزعني صور الذين صاروا لاجئين بعد أن كانوا ساكنين، وتفزعني صور اللاتي صرن سبايا في عصر يتنطع فيه المجتمع الدولي بحقوق الإنسان واتفاقية «السيداو» التي تبيح للمرأة أعلى درجات التحرر المحرم! طافت بنا أيضاً صور الذين ماتوا تحت القصف وهشمتهم أنقاض منازلهم، ووقفنا حائرين أمام صور الذين عادوا إلى دولهم في توابيت!
ولن ننسى الخلفيات المعرفية التي أثرت في أمنياتنا وأهمها ختام العام بإعلان الأزمات الاقتصادية الخانقة والشروع في فرض الضرائب المتعددة تدريجياً. أمام كل هذا يكفي المتشائمين، أمثالي وأمثال الكثير من العرب غيري، أن يطوفوا بالقنوات الفضائية العربية ليلة رأس السنة ليتفرجوا على الابتذال العربي في أسوأ صوره وأن يقارنوا بين الصور المبتذلة التي تبثها برامج ختام العام مع الصور التي عشناها طوال العام لندرك بأن ثمة انفصاماً غير منطقي في هذا العالم العربي.
السلام لا يتحقق بوقف الحروب، ذلك معنى ضيق، السلام يتحقق بالأمن الاقتصادي والثقافي والإحساس بالانسجام وتوازن المحيط الاجتماعي، خصوصاً في اللحظات التاريخية المأزومة. تمنياتي لكم بالسلام والأمان وتحقق الأمنيات. وكل عام ونفوسكم عامرة بالسلم والسكينة.