الرأي

التذمر وتدمير الذات

بنــــــــــادر



في كل مكان تمشي إليه أو تجلس فيه، أو تتعامل مع بعض أصحابك، تجد الشخص المتذمر، الشخص المتبرم من كل شيء، يتذمر من البحر والسماء والريح والمطر، يتذمر من زحمة الشارع وارتفاع سعر بعض الأشياء، وعدم تحرك المسؤولين في الدولة، أية دولة، في صد الأعاصير والزلازل والسيول.
هذا الشخص المتذمر، لا يكاد يرى أي شيء إيجابي في الحياة، لا يرى أبداً آثار النعم التي أعطاها الله له، وهيأها له منذ ولادته على هذه الأرض، لا يرى شيئاً أبداً، في بعض الأحيان أشعر أن هذا الشخص لا يملك أي إيمان بوجوده كنعمة في هذه الدنيا.
وكلنا يعرف بعض المتذمرين، الذين يدورون هنا وهناك، متشكين، متبرمين من كل شيء، وهذا لا يقتصر على من يعيش في وضع اقتصادي متدنٍّ، بل هناك الأغنياء والذين يحملون شهادات دكتوراه ومديرون ومثقفون وكتاب وأدباء، وغيرهم من الذين يعيشون في المجتمع.
فهم، تعودوا على التذمر، وأصبح عادة من عاداتهم، وإذا لم يتذمروا من شيء ما يشعرون بحكة في جلودهم، تدعوهم لهذا التذمر، كيف يمكن أن يمر اليوم دون أن يتذمروا، وهم يذكرونني، بأحد الشعراء الذي تعود أن يهجو الجميع، فلما لم يجد أحداً يهجوه هجا نفسه وقال:
أرى لي وجهاً شوه الله خلقه
فقـبح من وجه وقبح حامله
من هنا، ذهبت إلى معجم المعاني الجامع، معجم عربي عربي، لأعرف معنى كلمة التذمر فرأيت التالي:
1- التذمر: «اسم» صوت المجترئ بالرفض.
2- تذمر: «فعل» تذمر / تذمر على / تذمر من يتذمر، تذمراً، فهو متذمر، والمفعول متذمر عليه، تذمر من مستواه: لام نفسه لوماً شديداً، تذمر من الأوضاع السيئة: تشكى، توجع، تذمرت الجماعة: لامت بعضها بعضاً، تذمر على جاره: تنكر له، هدده، توعده، تذمر القوم: حث بعضهم بعضاً على القتال، تذمر: غضب وتعصب، وعبر عن استيائه وسخطه وعدم رضاه.
3- مصدر تذمر: يشعر بالتذمر كلما رأى حادثة سير: التأفف، الأسف، ساد التذمر بين الناس: التشكي والتوجع، لوم بعضهم بعضاً، فهم من كلامه تذمراً: تنكراً، تهديداً، توعداً.
من هنا أرى أننا جميعاً نمر بضغوط ونمر بظروف أكثر من صعبة وأحياناً قاسية، ولكن لا يعني هذا أن نتصور أننا دائماً ضحايا الحياة، أو ضحايا الدولة أو المديرين في الشركة أو الأهل أو الآخرين من أصحاب النفوذ، فأنت ما إن تتصور أنك ضحية، ستظل على ما أنت لا يوجد يوم أسود أو أبيض، يوجد فقط إنسان ينظر إلى هذا اليوم.
وقد كررت كثيراً في أعمدتي السابقة، ضرورة تغيير زاوية النظر التي تنظر فيها إلى الموضوع، وقلت مراراً وتكراراً، أنت، أنت، أنت، هو من يجعل هذا الأمر جيداً أو سيئاً، أنت من يستطيع أن يحول الزحمة إلى نوع من أنواع المتعة الروحية، وأنت من يستطيع أن يحول أيام البرد إلى أنغام طافحة بالمحبة.
وما عليك إلا أن تنظر بروح إيجابية إلى كل ما يمر عليك، فكله خير، ولو لم يكن كذلك في وقته، إذا كنت في زحمة خانقة، حول الوقت الذي تستغرقه فيها إلى وقت للتسبيح والاستغفار، وإذا كان الجو ممطراً، قل إن الأرض تنتظر مثل هذا الغيث لتعود إلى الحياة بعد موتها، وإذا كان الجو حاراً، قل إن السماء تحتاج إلى فتح مساماتها، ليخرج العرق، يغسل جلدها، بمعنى آخر، أعط الأشياء حقها، انظر بإيجابية، إن شاهدت شيئاً لا يروق لك اعكسه وافرح به كما تريد أن تراه.
التذمر هو واحد من طرق التدمير الذاتي، هو مرض، لا شفاء منه إلا بتغيير نظرتك إلى الحياة، افرح بما تملك من نعم، لا تعد ولا تحصى.