الرأي

هل في ركوب «العارين» شرف؟

رؤى


ها هي الأحداث تتسارع في منطقتنا المنهوكة المنكوبة المنهوبة بشكل لافت، فتداعيات ما بعد حقبة المخططات الاستعمارية الثانية أو ما يسمى بـ «الربيع العربي» بدأت تتكشف، ببشاعة المشهد بشكل سريع جداً، ربما أكثر مما كان يخطط له في مطابخ الاستخبارات الغربية، فلم تعد السيطرة على «الفوضى الخلاقة» ممكنة، ولن يكن بالإمكان أفضل مما كان، ولهذا فإن مستقبل هذه المنطقة بات على كف عفريت.
لا خيار أمام دول الشرق الأوسط اليوم سوى أن تفرض وجودها وتقرر مصيرها بنفسها، وأن تكون دولنا على قدر من المسؤولية حيال الأحداث الخطيرة التي مازالت تتدحرج باتجاه إسقاط كل شيء أمامها، ومن هنا لا يمكن أن تقف دولنا مكتوفة الأيدي تجاه الأحداث، ولو وقفت صامتة حيالها فإن كرة النار سوف تصلها وتحرقها، أو بمعنى آخر، هي معركة وجود ومصير، ومعركة نكون فيها أو لا نكون.
هذه التداعيات الواضحة والخطيرة جداً في منطقتنا، والتي يراها الأعمى قبل المبصر، يقابلها عدم اكتراث من طرف الكثير من الدول التي بدأت تلتهم النار ثيابها ونظامها معاً، حتى إن الإرهاب المبرمج بدأ ينخر في جسد تلكم الدول، بينما حكوماتها والكثير من شعوبها لم يحركوا ساكناً تجاه هذه المعركة المصيرية حتى هذه اللحظة، فلربما ينتظرون كعادتهم أن يأتي الغرب «المُخَلُّص» أو أية قوة أجنبية ترفع عن كاهلهم سندان المعارك ومطرقة الإرهاب، متناسين أن المخلِّص الوحيد لما يمرون به من إرهاصات وتقلبات خطيرة جداً، هو شعوبهم وجيوشهم وقواهم السياسية والوطنية لا غير، أمَّا الاعتماد على الأجنبي والغزاة والاستخبارات العالمية فإنهم لن يقدموا مصالحنا كأولويات أو حتى هوامش على أولوياتهم ومصالحهم، فنحن نعيش تحت رحمة قانون «الانتخاب الطبيعي» لكن في نكهته السياسية، وهو أن البقاء للأقوى، ولمن يملك السلاح والإرادة والاقتصاد والاستراتيجيات بعيدة المدى، فلا مكان للضعفاء في عالم السياسة، وهذا هو ما يصبو إليه الغرب اليوم، فهو يريد منَّا أن نكون ضعفاء ومجرد «هامش» لا يؤثر في سير المعارك أو حتى في كتابة بعض حرف التاريخ.
إن مستقبل الشرق الأوسط بات على كفين، كفّ الغرب غير المؤمن بإعطائنا مساحة محترمة وكافية من الكرامة، وكفّ الإرهاب الذي أصبح بإمكانه الوصول إلى أية نقطة يريدها ومتى شاء، بينما دولنا مازالت مشغولة بقضايا ثانوية لا تنسجم وطبيعة المعركة، فهل هذا الأمر المخجل يسير وفق ما يريده الغرب؟ أم أنها الحلقة الثانية من حصان طروادة؟
ليس أمام هذه الدول التي لم يعد الاستقرار خياراً لها في حال صمتتْ أي خيار آخر سوى رسم مصيرها ومستقبلها بنفسها، دون الاعتماد على أي مخلِّص يأتيها من جهة الغرب أو الشرق، فكل دول العالم - سوانا نحن - بدؤوا يتقاسمون الكعكة ونحن نتفرج، بل بدأت القوى الظلامية والإرهابية تدخل معهم في تقاسم النفوذ والنفط ومقدرات الدول، بينما دولنا ملتزمة «بوضعية» المتفرج، وهذا لن ينجيها ولن يشفع لها من أن ترشقها الأجيال القادمة بالحجارة على»نافوخها» أو ترميها بالبيض الفاسد فوق ثيابها المصنوعة في دول الغرب. إنه عار الحاضر وعار المستقبل، فأي «العارين» يشرفنا أن نختار؟