الرأي

ثمانون عاماً من الفيروز

ثمانون عاماً من الفيروز








احتفل العرب «الإنسانية» بمرور ثمانين عاماً على ميلاد قيثارة الفن السيدة فيروز. وفيروز التي رافق صوتها أجيالاً عديدة وشاركهم أفراحهم وآلامهم وأشواقهم وأحلامهم تستحق منا أن نحتفي بوجودها معنا، وتستحق أن نمتن لها على كرمها معنا وإخلاصها في فنها من أجلنا. كانت فيروز تبدو وكأنها تعتني بنا وتنشئنا على ذوق خاص يتعين علينا أن نتدرج في مسالكه. وكنا نبدو كأننا كلما تاهت بنا دروب الفن واخترقت الفوضى ساحاته لا نملك إلا أن نعود لصوتها ولفنها كي نتطهر من كل ما يمكن أن يفسد ذوقنا الإنساني.
لم تمتهن فيروز الفن. لم يكن مجرد مصدر دخل لها. لم تكن الأضواء جزءاً من تركيبتها الفنية. ومع ذلك جاءها كل شيء يسعى يطلب القرب منها. لا يعرف الكثيرون عن فيروز أكثر من أن اسمها الحقيقي نهاد حداد وأنها زوجة الفنان العظيم عاصي الرحباني الذي شكل مع أخيه منصور الرحباني ظاهرة فنية فريدة في الوطن العربي وكانت السيدة نهاد حداد فيروزة التاج في أعمالهما. وهي والدة الفنان زياد الرحباني الذي خط نهجاً مختلفاً عن أبناء جيله في العمل الفني. لا يعرف أغلب عشاقها، غير الفضوليين، أكثر من ذلك. فليس للسيدة فيروز في تاريخها الفني الطويل أي تصريحات إعلامية نارية أو مهاترات خطابية مع منافسيها من المطربين والمطربات. ليست فيروز مادة للحديث عن ثروتها الشخصية أو قصورها وممتلكاتها في أوروبا. وليست سيرتها الشخصية بالتعقيد الذي يجعلها محط تتبع علاقاتها بالملوك والأمراء والرؤساء ورجال الأعمال. فيروز فنانة وكفى. إحساس نافذ وقبس نور يسكن الوجدان ولا يغادر.
غنت فيروز للحب والوطن والأم وللأطفال ولعيسى ومحمد. غنت للبحر والسماء والنجوم والشوارع والغابات. غنت للعيون والغربة والهجران. غنت للعامل والعالم والناطور وسائق الحافلة. غنت بالفصحى الرصينة وباللهجة الشامية السلسة وبالمصرية الشائعة. غنت للخبز والزعتر والكرز. لم تترك شيئاً فيروز إلا وغنت عنه. فيروز حقاً سيرة حياة. معها تصبح الأشياء رفيقة وحدتنا وأنيسة وحشتنا. لا شيء ليس له معنى في أغاني فيروز. الكون متحد في فنها. الكون ناطق متحرر يشي بالحميمية والإحساس والعطاء.
في العيد الثمانين لميلاد السيدة فيروز نتذكر كم هو عظيم الفن حين يتبلور في يد فنان واسع الإنسانية. كم هو عظيم الفن حين يترنم بصوت الحب. وقد علمتنا فيروز الحب والإنسانية والوطنية والأنفة في مشوارها الفني. فالحب والإنسانية هما منظومة قيم تسمو بها الأرواح، وتتداوى بها الجراح. وكم نحن في حاجة للحب والإنسانية في هذا الزمن الذي تغلبت فيه قيم الكراهية والنزعات الوحشية والبهيمية. كم نحن بحاجة للاستعانة بالفن لمعالجة الأنفس التي هجر الفرح أرواحها وسكنت الأشباح والخزعبلات جنبات صدرها.
استمتعوا بالفن الراقي. وعلموا أبناءكم الاستمتاع به. فإنه رياضة روحية، وإنه سكينة وسلام في النفوس. وكل عام والسيدة فيروز في تألق وسعادة وإبهار.