الرأي

قصة «طائرة المعارضة»

قطرة وقت






لعل من المناسب وقد احتارت «المعارضة» في وضعها، وصارت لا تعرف إلى الحل طريقاً، تصور المشهد التالي، يأتي شخص إلى مجموعة ويقول لهم تعالوا نأخذ جولة في هذه الطائرة الصغيرة الجميلة ويغريهم فيوافقون معتقدين أنه يجيد قيادة الطائرات وقد يسألونه فيرد مؤكداً ذلك، ثم بعد أن يركبوا ويصيروا في الجو يكتشفون الحيرة في عينيه ويتبين لهم أنه قد تعلم فقط كيف يطير الطائرة لكنه لم يتعلم بعد كيف يهبط بها!
هذا بالضبط ما حدث مع الناس الذين كانوا في حالهم فجاءهم من يصور لهم حياة أخرى تكون مثالية وخالية من كل المشكلات التي كانوا يحاولون حلها بطريقتهم فاستجابوا له وأطاعوه ثم تبين لهم أنه لا يمتلك مهارة إخراجهم من المشكلة الأكبر التي أدخلهم فيها.
هذا الكلام قاس على «المعارضة» لكنه للأسف واقع وحقيقة. الناس في البحرين كانت لهم مشكلات يبحثون لها عن حل، وكانوا يسعون إلى تطوير معيشتهم كي يضمنوا مستقبلاً أفضل لأبنائهم، كانت لهم مطالب، والحكومة لم تكن تعترض على هذا الأمر بل كانت تعمل على تحقيق هذه المطالب والأحلام باعتبارها مسؤولة عن الجميع، ولم يكن صعباً التوصل إلى توافقات وحلول يرضى بها الناس. ما حدث هو أن «المعارضة» بالغت في تزيين المستقبل وقدمت نفسها على أنها قادرة على الانتقال بالجميع وتغيير حالهم إلى أفضل حال وبسهولة، ثم بعد قليل «غزر البحر عليها» وصارت تتخبط ولم تعرف كيف تخرج من استجاب لها من هذا المأزق ولا كيف تخرج نفسها.
هذا ما يقوله الكثيرون بينهم وبين أنفسهم وفي المجالس ولكن بصوت منخفض، فاليوم الجميع يدرك أن من «زهزه» لهم أوقعهم في ورطة وأدخلهم في متاهة يصعب الخروج منها، وأدركوا أنهم هم الأكثر تضرراً من كل هذا الذي جرى وأنه لا سبيل للتقدم أو لتحقيق مكاسب وأن كل ما يمكنهم فعله أو بالأحرى ما يأملونه هو تقليل الخسائر والأضرار.
«المعارضة» في البحرين لم تصل إلى مرحلة القدرة على قيادة الشارع وفرض نفسها وتحقيق المكاسب، وأكدت أنها بخطوتها تعجلت الأمر ولم تقرأ الواقع قراءة دقيقة وأنها اعتقدت أنها بمجرد الإحساس بالثقة في النفس يمكنها أن تصل إلى ما تريد الوصول إليه بمساعدة الناس الذين سيكونون معها، طالما أنها سترفع شعارات تغريهم وتوفر لهم الأمل في حل مشكلاتهم والحصول على مطالبهم.
بشكل مباشر، «المعارضة» استغلت فرصة معاناة الناس من بعض المشكلات وأن لهم مطالب يأملون بتحقيقها تحسين معيشتهم، استغلتها لتحقيق أهدافها، والمستفيدون من «المعارضة» في الخارج استغلوها لتحقيق أهدافهم واعتبروها مطية لهم فصارت أداة لهم ورأس حربة، أما اليوم فتبين لهذه «المعارضة» أنها لا تستطيع فعل شيء للناس ولا لنفسها، خصوصاً بعدما قطعت كل الخيوط مع الحكومة التي وصلت حداً لا تستطيع معه الثقة فيها والتعامل معها، لذا صار صعباً العودة إلى الحوار الذي عادت تدعو إليه.
المشهد الآن هو أن تلك الطائرة التي أغروا الناس بالركوب فيها وأقلعت بهم لاتزال في الجو ولايزال من فيها يصرخون ويستغيثون، نفاد الوقود منها يهددها ومن فيها بمصير مجهول، وقائدها لايزال دون معرفة كيف يهبط بها والأكيد أنه لن يعرف كيف يفعل هذا. الأمل الوحيد في إنزالها هو بتدخل برج المراقبة وبتوظيف خبرات كل من في هذا البرج ليعينوا على تحقيق هذا الأمر.
منطقاً وواقعاً وبسبب تقدم العلوم والتكنولوجيا فإن هذا ممكن، إلا في حالة واحدة هي أن يركب من قاد الطائرة وورط نفسه ومن فيها رأسه، ويصر على أنه قادر على الهبوط بها بسلام!