الرأي

جودة التعليم.. حلم تائه

مــــــــــداد






أبدأ بهذا الاجتزاء من لقاء موسع للرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية للمؤهلات وضمان جودة التعليم والتدريب د.جواهر المضحكي نشر أمس في «الوطن»، تحدثت فيه عن مفاصل عمل الهيئة بشفافية جميلة، وعلقت على مجموعة من المحاور ذات العلاقة بالوضع التعليمي العام والخاص.
قالت د.المضحكي «.. تقديم خدمات تعليمية وتربوية في المؤسسات التعليمية والتدريبية تتناسب مع احتياجات الطلبة المختلفة، حيث يتم التركيز على التعليم النوعي المتمايز منهجياً وأدائياً، والتمدد فيه أفقياً ورأسياً، وفقاً لأنماط التعلم المعاصرة، والذكاءات المتعددة، كما يراعي هذا الاتجاه التعامل الشامل مع الإدراك الجيد للتباين في قدرات ومستويات الطلبة، وكذلك مع ذوي الاحتياجات الخاصة بما يتناسب وقدراتهم ومتطلباتهم بشكل عام، وجودة التعليم المقدم، إضافة إلى التعليم مدى الحياة وهو ما يصب في الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030..».
أقف عند هذا الجزء بالذات لأطرح أسئلة مختلفة، إذ قيل «يتم التركيز على التعليم النوعي المتمايز منهجياً وأدائياً»، فهل الكادر التعليمي في مدارس البنين والبنات يصنفون جميعهم بأنهم قادرون ومؤهلون على تحقيق هذا التعليم النوعي المطلوب، وهل جميع الكادر العامل في مدارسنا وأخص الحكومية منها يتسم بالقدرات المهنية والشخصية التي تضمن تحقيق النجاح المأمول والمطلوب!.
قيل أيضاً: «التعليم النوعي وفق أنماط التعلم المعاصرة والذكاءات المتعددة، مع إدراك التباين في قدرات ومستويات الطلاب»، وهذا أيضاً موضع تساؤل، فأين هي أنماط التعلم المعاصرة بخلاف (السبورة الذكية في الصفوف)، ما هو وضع قاعات الحواسيب الضيقة التي لا تتسع لطلاب الصف الواحد دفعة واحدة، وأين هي الوسائل المساندة التي تخرج الدرس من إطار التلقين اللفظي داخل الصف، وكيف تستوعب مناهجنا القائمة على الحفظ والحشو، كيف تستوعب تباين قدرات أبنائنا الطلبة والطالبات وتتفهم اختلاف مستوياتهم، فلا إبداع ولا أنشطة تعزز الذكاءات المختلفة ولا دروس فنية مختلفة تذهب لما هو أبعد من خطوط وألوان تعطى في درس الرسم اليتيم، هذا بخلاف الجهد العقيم لما يسمى (بمبادرات) تعزز مفاهيم الدروس والتي تصنعها الأمهات في المنزل أو تتاجر بها المكتبات، لترمى في (الزبالة) في نهاية المطاف، لتمثل انتهاكاً للبيئة في حد ذاتها.
هذا بخلاف الحديث عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي أدمج منها من أدمج بسعي حثيث من وزير التربية والتعليم د.ماجد بن علي النعيمي واهتمام شخصي منه، في حين بقي جزء أكبر لايزال غير مدمج وسط مراكز تأهيلية مترهلة الكادر، ضعيفة التخصص، لا تسمن ولا تغني من جوع.
ما هو دور الهيئة في حل مشاكل المدارس المختلفة من مرحلة وأخرى، والمختلفة بين مدارس بنين وأخرى بنات، فهي تكتب تقاريرها وتتابع التغيير، ولكنها لا تملك أداة التغيير والمحاسبة، إذا هي فقط ذات مهمة إشرافية فوقية تحدد مستوى المدرسة من خلال زيارات لـ3 أو 5 أيام فقط من أصل فصلين دراسيين يمتد كل منها لأكثر من ثلاثة شهور، ويقوم بها متخصصون منهم من يملك الخبرة ومنهم من هو مستجد تم تدريبه لفترة 6 أشهر، وبهذه الخلفية وبهذه المدة يتم تقييم أداء معلمين ومعلمات أفنوا سنوات عمرهم الطويلة في الحقل التعليمي، ليغلب التقييم العام على تقييم النماذج المضيئة في مدارسنا، وتضيع جهود كوادرنا الوطنية المخلصة، وتكون النتيجة العامة متراوحة بين (غير ملائم) و(مرضٍّ).
إذاً هل هناك حلقة مفقودة بين الهيئة والوزارة، فنحن لا نشكك بجهود أي منهما، فجهودهما محل تقدير، والهدف المشترك يجمعهما لا يفرقهما، ولكننا أيضاً نتساءل إلى متى نتحدث عن نقاط ضعف ترصد في التقارير، وتحديات كبيرة تواجهها الوزارة تريد حلها ولكنها لا تمتلك الأدوات التي تساعدها على ذلك.
تحديات الجودة على أرض الواقع ليست بلغز، وليست بأمر لا يعرفه العاملون على قطاع التعليم، ولا هو بالأمر الجديد على كادر الوزارة الإشرافي، فالجميع يعلم ما هو خافٍ، والجميع يعلم بعدد الطلاب المهول، مقابل عدد مدرسين قليل، هذا بخلاف ضغط الحصص على المعلمين والمعلمات وزيادة النصاب عليهم الذي يؤدي إلى استهلاك طاقتهم.
ولنتوقف عند مفهوم المدرس نفسه، فالمدرس هو القدوة وهو النموذج وهو المعلم الذي ينقل فكر الأبناء من مستوى إلى آخر، هو المفتاح الذي يفتح أبواب المعرفة الموصدة لديهم، فهل جميع الطاقم التدريسي ملتزم بمبادئ إنسانية وقيم تربوية تؤتي ثمارها آخر السنة الدراسية، لا خلال 3 أو 5 أيام يتم القياس على أساسها.
الحديث يطول هنا، فمشاكل التعليم ليست لغزاً، ولا هي أمر مستتر لا يرى، هو واقع أكثر من يشخصه الكادر التعليمي نفسه الملامس لتحديات عمله التي تزداد ثقلاً كل يوم، وكولية أمر أولاً وكاتبة ثانياً لا أريد سوى أن يذهب أبنائي كل صباح للمدرسة بحب للأشخاص الذين سيلتقون بهم، ليلقوا المعاملة الجيدة ويتلقوا دروسهم بشكل مريح ، ويرجعوا لي سالمين معافين، ليؤدوا واجباتهم في المنزل بشكل محبب لا منفر، ويكونوا سعداء وهو يمسكون بالكتاب بدل الدموع التي تذرف من أجل الانتهاء من الواجبات.
إن الجودة الحقيقة تبدأ بما يقدم داخل الصف، فاهتموا أولاً بالمعلم وقللوا عدد الطلاب في الصف الواحد، شيدوا المدارس الجديدة في المناطق المكتظة، ضخوا الميزانيات، غيروا المناهج واجعلوها (ممتعة) للطلاب، فجروا رغبتهم في حب المعرفة والاستزادة، قيموهم على جهدهم وقدراتهم البحثية والمعرفية لا بمقدار حفظهم وقربهم من الإجابة النموذجية المكتوبة لديكم سلفاً، بعد كل ذلك تحدثوا عن خطط تطويرية وأساليب تعليم حديثة، وطوروا المختبرات المختلفة للوصول إلى الغاية التي لا يختلف عليها اثنان.