الرأي

أنا لست إرهابياً يا باريس

في الصميم






أصبح أمراً بديهياً أن ترى أصابع الاتهام تتجه إلى الجميع عقب كل عملية إرهابية يرتكبها متطرفون محسوبون على الإسلام، وأصبح من الطبيعي أيضاً أن يتعرض المسلمون إلى الاعتداءات والتهديدات والكثير من الأذى والاضطهاد في قضية لم يكونوا طرفاً فيها، حصل ذلك إبان هجوم 11 سبتمبر 2001، ويحصل اليوم في فرنسا وأوروبا بعد تفجيرات باريس الأسبوع الماضي.
في بلاد الإفرنجة، بلاد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يعيش المسلمون بين نارين؛ نار الجهاديين المتطرفين ونار اليمينيين الراديكاليين، وفي الواقع فقد زادت بعد الهجوم الإرهابي على مقر مجلة شارلي إيبدو التصرفات المعادية للمسلمين مثل الهجوم بقنبلة على أحد المساجد وكتابة الشعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات، وقد سجل المرصد الوطني لمكافحة فوبيا الإسلام زيادة قدرها 281% في هذا النوع من الهجمات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق.
حتمية يفرضها علينا الواقع المرير؛ رغم أننا كمسلمين ندين ونرفض ونتبرأ من «داعش» وجرائمه، بل نحن أول من اكتوي بنارها، ولكن شئنا أم أبينا أم تمنعنا أم «استعبطنا» سنظل متهمين أمام الغرب مهما فعلنا.
رغم أننا كمسلمين لم نوجه أصابع الاتهام إلى الشعب الأمريكي حين أشعل الرئيس السابق جورج بوش فتيل الحروب على العالم الإسلامي، بدءاً بأفغانستان ونهاية في العراق، وحسبما أعلنته وكالة الاقتراع البريطانية OBR، وصلت نسبة ضحايا غزوه للعراق أكثر من 1.03 مليون شخص، كما هجر أكثر من خمسة ملايين عراقي، بجانب استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من 300 طن من اليورانيوم المنضب، الذي يعتبر من أسلحة الدمار الشامل، ضد المدنيين في الفلوجة، ومازالت العراق حتى اليوم تشهد الآثار التي خلفها هذا السلاح؛ مع تزايد عدد حالات السرطان والتشوهات الخلقية وسرطان الدم وأورام الدماغ عند الأطفال حديثي الولادة تحديداً، ومهما كان العدد الحقيقي للضحايا فإنه يظل مرتفعاً بشكل مخيف.
هل هذا خبر جديد؟.. ليس بجديد على الإدارة الأمريكية هذا السلوك البربري، حيث تاريخها حافل بالعدوانية على شعوب الأرض منذ تأسست، فقد قامت على جماجم البشر من أهل البلاد الأصليين والممارسات اللاإنسانية بحق السود الأفارقة من مواطنيها.
ولعله من المثير للسخرية أن يخرج علينا وبعد 12 عاماً رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ليعتذر عن القرار الذي اتخذه مع جورج بوش، بالإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين وغزو العراق، وذلك بعد نشر وثائق تكشف اتفاقه مع بوش على غزو العراق قبل عام من بدئه.
اليوم يتجلى حجم الاضطهاد والتهديد والاعتداء ضد المسلمين في أبشع صوره في فرنسا، بعد تفجيرات باريس والتي راح ضحيتها خمسمائة فرنسي، رغم أننا كمسلمين لم نضطهد أو نحمل الشعب الفرنسي وزر جرائم حكومتهم الاستعمارية وقتلها لأكثر من مليون ونصف مليون شهيد جزائري.
لم نحملهم مسؤولية احتلال حكومة فرنسا للجزائر لأكثر من 130 سنة، وجرائمها التي ترقي وفقاً لأحكام القانون الدولي لجرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، حيث عمدت حكومة فرنسا آنذاك إلى مسح هوية الشعب الجزائري واغتصاب أرضه وضم الجزائر إلى فرنسا وفقاً لقوانين فرنسية جائرة.
لم نحمل الشعب الفرنسي مسؤولية حكومة فرنسا عن جريمة مقتل 400 عالم مسلم أثناء احتلالها لتشاد في 1917 واقتلاع رؤوسهم بالسواطير.
لم يتعرض فرنسي زائر أو سائح لدولنا لأي اعتداء أو تهديد بسبب الجرائم والظلم الذي ترتكبه فرنسا اليوم ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى!!
هكذا نحن المسلمون، وهكذا هي أخلاقنا.. لسنا إرهابيين يا باريس..
لم نحمل الشعب الإنجليزي مسؤولية جريمة «ارثر بلفور» وزير خارجية حكومة ملكة بريطانيا عام 1917، ووعده الشهير بتمكين اليهود من فلسطين وبسب هذا الوعد المشؤوم «أعطى من لا يملك، وعداً لمن لا يستحق»، ثم استطاع الاثنان «من لا يملك» و»من لا يستحق» بالقوة وبالخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعي حقه في ما يملكه وفي ما يستحقه، وإلى اليوم تتجرع أمة بأكملها مرارة هذه الخديعة، ويعيش شعب بأكملة تحت الاحتلال والقتل والتشريد منذ سبع وستين سنة.
هل نحكي لكم عما فعله الطليان إبان احتلالهم لليبيا أو ما فعله الإنجليز في مصر أم نكتفي بهذا الحد؟!
أعرف أن اجترار التاريخ مزعج بقدر ما هو مؤلم ويغلب المواجع، وبالطبع يستحيل في ظل مساحة كهذه استعراض كل جرائم الغرب ضد المسلمين، فأنت تتكلم عن تاريخ ملطخ بالدم يمتد لمئات السنين.
المشكلة أن الغرب ليس وحده من يلصق تهمة «داعش» بالمسلمين ويسعى للانتقام منهم، تحديداً أهل السنة والجماعة، بل حتى جماعة ولي الفقيه، خصوصاً في ظل سيادة إعلام فارسي مجوسي، لديها من الأدوات -في الداخل قبل الخارج- ممن تساعده في هذه اللعبة وإلصاق التهمة بالمكون الآخر، تجلت تلك اللعبة في البحرين ومورست بشكل مقزز ومقرف عبر صحيفتهم وكتابهم بسبب مواقف أهل السنة وتصديهم لمؤامرة 14 فبراير، وتمارس نفس اللعبة حالياً مع المملكة العربية السعودية بسبب حربها في اليمن ضد الميليشيات الإرهابية الحوثية وإعادة الشرعية.
ما علينا «...» فالقافلة تسير، وكما أن الإسلام يتبرأ من أفعال «داعش»، يتبرأ أيضاً من أفعال المجوس.
- تويتر..
رسالة إلى أخي العزيز العميد الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، مدير شرطة المحافظة الجنوبية، كيف لأسد أن ينزعج من عواء كلاب ضالة تتسكع بين المزابل؟