الرأي

وجع الفراق.. البسام نموذجاً

مــــــــــداد







يباغتنا الموت ليأخذ منا أعز الناس في لحظة، لندرك كم كنا مقصرين تجاههم في حياتهم.. موت الأستاذ خالد البسام الكاتب الصحافي والروائي والمثقف البحريني المعروف يوم الثلاثاء الماضي نموذج حي لهذا التقصير، وشاهد على حاجتنا للتعبير عن الحب والتقدير والامتنان لمثل هذه النماذج المضيئة في تاريخنا.
ضج المجتمع بأسره بوفاة خالد البسام، ملئت قلوب الناس بالحزن الكبير، ليس من عرفه شخصياً أو من عمل معه، بل وصل الحزن لعامة الناس من جمهوره ومتابعيه في البحرين وخارجها.
نتفنن في الحديث عن أمواتنا، الصحف مليئة بالمقالات عنه، والمواقع الإخبارية كتبت عنه ترثيه، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تهدأ من نشر صوره ومقاطع من أعماله وكتاباته، كل هذه المحبة الهائلة والخجلة له لم تظهر بالشكل الصريح له في حياته، بل ظهرت بقوة ووضوح بعد وفاته.
خالد البسام، علم من أعلام المجتمع البحريني، لم تنقصه محبة أو إعجاب قط، هو اسم أكبر من أن يكتب فيه كل ما كتب وسيكتب لاحقاً، ولكننا دائماً ما نرثي مبدعينا بشكل أكبر مما نقدمه لهم من محبة في حياتهم.
يحمل المثقفون على كاهلهم وجع الحياة.. بوجع الكتابة.. وبوجع الوحدة أحياناً، يتركون لنا إرثاً أدبياً ظاهراً ممثلاً بإنتاجهم الفكري الذي تزخر به المكتبة البحرينية، وإرثاً كامناً ومستتراً يتمثل بمسيرة حياتهم وتفاصيلها التي يجب أن تسجل في ذاكرة الوطن بعيون من عاصروه، وبشهادات حية تخلد ذكراهم وتبين العبر من سيرتهم.
59 عاماً، هو عمر فقيد البحرين الكبير، 59 عاماً زاخرة بكل ما تحمله كلمة الإرث الإنساني من قيم وعمل وإبداع، فهل أنصف البسام في حياته -رغم كل ما حققه من نجاحات- أم أنه كان يستحق المزيد؟
فقيدنا كان يرفض الوصاية وينعتها «بالسخف»، كان يدافع عن القراءة عن صفة «الجرم»، روايته مزيج من خبرته الحياتية والعملية يصفها بالحكاية والحلم.
كم كسر فقدانه قلوب محبيه، فأحسنوا معاملة من حولكم على صعيد فردي ومؤسسي ومجتمعي، أكرموا مبدعيكم قبل أن تفقدوهم، بينوا لهم مكانتهم، وأعطوهم حقهم، فالحياة أقصر مما نتصور.. تأخذني الذاكرة لموت والدي في 1997، الشاعر علام عبدالله القائد الذي باغته الموت بعد صراع مع السرطان، وهو في ريعان شبابه وكان حينها في أوج عطائه الأدبي، تاركاً مؤلفات لم ترَ النور بعد، ليبقى في ذاكرة محبيه ومن عرفه من أهله وأصدقائه ذكرى غالية.
رحم الله مبدعينا، وأسكنهم فسيح جناته، ولنتوص خيراً بمن هم على قيد الحياة، فهم يستحقون التكريم في حياتهم قبل مماتهم.