الرأي

الثقافة في البحرين.. تساؤلات جوهرية

نبضات


هل تعلم أن البحرينيين ومثقفيهم على وجه الخصوص هم الأكثر سفراً؟! هل تعلم أنهم الأكثر رحيلاً على أرض الزمن إلى ذكريات ماضٍ جميل لم يعد الحاضر يحتضنهم بعده؟! ولعل بعضهم قرر ممارسة الرحيل فعلياً بعدما غُيب عقله وثقافته عن واجهة الإنتاج والثقافة المحليين.!
هل تعلم أن الإنسان في شتى بقاع العالم غالٍ بكل مكوناته بما في ذلك دمه ودمعه؟ إلاَّ في البحرين؛ فقد أُرخصت الدموع من أجل البكاء على أطلال الريادة المنقضية في الثقافة والصحافة والتعليم وغيرها، والمضي الدؤوب في التراجع والانحدار؟! هل تعلم أن الأغنية البحرينية الأصيلة فقدت بريقها وحضورها بعدما أصبحت أغنياتنا المعبرة عن واقعنا في البحرين تنطلق من «كنا» و«كان» و»كانت» ولم يعد للحاضر في تشدقاتنا ومفاخرنا وجود، وأصبحت صورة المستقبل في أعيننا ضبابية؟! هل تعلم أن أكثر الأدوار المغيبة في البحرين «الاستثمار في الإنسان» رغم ما يحظى به البحريني من علم واجتهاد وإبداع قلّ نظيرهم في المنطقة؟! هل تعلم أن الثقافة الراهنة في البحرين أصبحت مبنية على مواد إعادة التدوير «الريسيكلة»، بالية في حقيقتها ولكنها تزخرف وتجمل وتقدم بحلة جديدة تسر الناظرين رغم انحدار مضمونها؟!
يؤسفني أن أتلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى في فعاليات ثقافية في البحرين، لاسيما بعد انبهار لا يمكنني أخفاؤه جرّاء تجربة المشاركة في فعاليات خارجية خليجية، إنها ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها لهذا الموضوع، ولكن الصمت المطبق من قبل بعض الجهات والتمادي في الإسفاف والانحدار في مستوى المضمون الذي يخرج عنه منتدى أو ندوة أو برنامج ثقافي في كل مرة، يدعوني لتكرار الطرح، وكما يقول مثلنا الشعبي «كثر الدق يفك اللحام»، ولعل أكثر أصالة نتمتع بها حتى يومنا هذا بامتياز، ذلك اللحام الذي استمد قوته من صمت سنين وانقضاء مرحلة في ركود وسكون، حتى قوى اللحام واعتبر وضعه قدرياً لا مجال لتغييره.
أستغرب أكثر عندما تكون مسؤولية تلك الجهات المنظمة للفعاليات الثقافية محل الانتقاد، توعية المجتمع بشأن ما، ويتوقع منها تعزيز ثقافات محددة بطرق حديثة ومبتكرة وتواكب العصر وتحترم عقول أهله، أستغرب عندما ينتقد الجميع وعلى مدى سنوات استيرادنا للثقافات الخارجية بشكل مبالغ، فلا شيء يتغير ولا تخطو تلك الجهات خطوات جادة نحو تأصيل نشاطها الثقافي في المملكة، ونظل نستورد الثقافات ولا نصدرها بما يكفي، نتخلى ونتعامى عن إنتاجنا الثقافي والحضاري، ونتشدق بحضارات وثقافات أخرى، ونكتفي بالبكاء على أطلالنا الجميلة الضاربة في جذور التاريخ متجاهلين صناعة تاريخ اليوم لأجيالنا القادمة على أوجه تلبي احتياجات مكوناتنا الثقافية وتبرزنا في الواجهة الإقليمية -كما كنا-، والارتقاء إلى العالمية كما تمطح كثير من الدول الشقيقة وقد فعل بعضها.
مشكلتنا الكبرى أننا نتجاهل تراجعنا في ركب الثقافة المتجه رأسياً نحو الأعلى فيما نسير عكس تياره هبوطاً.! دونما وازع يحركنا نحو التقدم واستعادة مكانتنا التي ضيعناها. إن الحديث مطولاً عمّا يجب أن نقوم به من أجل استعادة موقعنا الريادي لن يجدي نفعاً دونما الشروع في وضع خطط استراتيجية واضحة المعالم من قبل كافة الجهات المسؤولة في هذا الشأن، والوقوف على تنفيذها بجدية، ولعل زميلتي د. انتصار البناء، سبقت في طرح بعض جوانب المشكلة وتطلعاتنا تجاهها في مقال عنوانه «ماذا ننتظر من هيئة الثقافة والآثار؟» أدعوكم لقرءته، وبرأيي فإن المسؤولية غير ملقاة على هيئة الثقافة وحدها، وإنما تشترك معها كثير من الجهات الأخرى المنوط بها مسؤولية توعية الشعب بكافة أطيافه ومكوناته في مجالات أو قضايا بعينها.
اختلاج النبض..
تصاعدت وتيرة الحديث حول أهمية تنويع مصادر الدخل، وفي المكون البشري البحريني عقول وطاقات جديرة بتبني مشروعات ثقافية رائدة والعمل عليها، فليكن مصدر دخل البحرين القادم السياحة الثقافية، وسياحة المؤتمرات، ولكن بالمستوى الذي يليق باسم البحرين عندما «كانت» رائدة الثقافة في المنطقة.