الرأي

الإرهاب بين الاستعمار والموروث

رؤى




كثر الجدال في الآونة الأخيرة حول فكرة بروز أكثر الجماعات الإسلاموية المتطرفة حول العالم، تلك التي تستوطن الشرق الأوسط دون سواها من البقع الجغرافية، والتي تقاتل بشراسة في سبيل المشاريع السياسية باسم الدين. هل هذه الجماعات الإرهابية تعد من صنيعة الاستخبارات الغربية؛ أم أنها جاءتنا من رحم الإيديولوجيات الدينية أو الفكر الديني؟
بكل تأكيد فإن الجماعات الدينية المتطرفة ليست «فقعاً» كما يحلو للبعض أن يتبنى هذه المفردة الساخرة في تصوير أن تكون هذه التيارات الجهادية تيارات طارئة في واقعنا الراهن، بل ظهورها يعتبر نتيجة حتمية لظروف سياسية وتاريخية لا يمكن التنصل منها أو مسحها من ذاكرة الماضي والحاضر، لكن السؤال الجوهري هو؛ ما هي حقيقتها؟
من يتتبع سلوكيات الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية على امتداد عالمنا الإسلامي يصل إلى قناعات علمية وواقعية بأن تلكم الجماعات جاءتنا من خلال الظروف السياسية الراهنة وبمساعدة قوى استخباراتية ودولية عالمية، وهذا العامل السياسي في الموضوع، إضافة لوجود أرضية خصبة من الموروثات الدينية المزورة، أنتجت فكراً خصباً لإنتاج جماعات إرهابية متطرفة قوامها الكثير من الشباب العربي والإسلامي.
لا نريد أن نلقي بثقل هذه الكارثة على فكرة «نظرية المؤامرة»، كما لا نريد أن نعفي الدوائر الاستخباراتية العالمية من استغلالها لبعض الموروثات الدينية المخترقة سلفاً، لتطويع أجندات سياسية تخدم المشروع الغربي في الشرق الأوسط الجديد، كما لا يمكن لنا أن نتجاهل دور الموروث المزيف في صميم هذه المعضلة الثقافية، مما ساهم هذا الأمر في استغلال هذا العامل بصورة سلبية من طرف الدول الغربية صاحبة المشاريع السياسية التوسعية.
غالبية الجماعات الجهادية، إن لم تكن كلها، تدار من داخل المخابرات العالمية، كما أن ما ساهم في إخضاعها لتلكم الدوائر هو بعدها عن الإسلام الحقيقي القائم على التعايش والمحبة والسلام واحترام الإنسان، قبل مجيء الإسلام السياسي القائم على الأفكار الإرهابية وبمباركة غربية واضحة.
إذاً لا يمكن لنا أن نفصل بين العاملين، عامل المؤامرة وعامل الموروث الزائف، فهما وجهان لمشروع سياسي واحد، وكل منهما يكمل الآخر من وجهة نظر سياسية وواقعية، فلولا وجود تشوهات من الموروثات المستقاة من الإسرائيليات في تراثنا الديني، لما استطاع الغرب أن يسهم في دعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية عبر العالم، كما أنه لولا وجود دول كبرى تدعم هذه الأفكار، لماتت من حينها في مهدها الأول.
في ظل هذه المعادلة السياسية الثنائية المعقدة، سيكون الإسلام بريئاً من كل الممارسات الإرهابية التي نشاهدها اليوم باسم الله، فالقرآن الكريم أكثر وضوحاً من أن تقوم جماعات إرهابية للعمل على تشويهه، فهو الذي دعا إلى السلام وبناء الإنسان والدول، والحفاظ على مكتسبات الحضارات، ولم نجده ولم نجد حملته من أولئك الذين روعوا البشرية بأعمال من المنكرات والموبقات، فالإسلام أكبر من الموروث المجهول، والأوضح من كل ذلك أن سياسته تقوم على المحبة والعدالة وليس على استعمار الشعوب أو استحمارها ولا على ترهيبها. الإسلام دين الوسطية، هذه هي الخلاصة، وما دون ذلك لا يعتبر إسلاماً مهماً دافع عنه المرجفون في الأرض.