الرأي

لن تحصل على الرضا

بنــــــــــادر



الحياة التي منحنا الله إياها وجعلنا نحياها؛ معناها الأساس هو المرور بتجربة دنيوية تعيشها الروح السماوية بعد أن ترتدي غلاف الجسد، وتترك هذا الجسد يتعامل مع ما حوله من ظروف صعبة وعوائق ومشقة حتى يتعلم ويصل إلى مرحلة الاكتفاء أو التشبع أو الرضا.
لكن الإنسان في معظم الأحيان ينسى أنه روح عظيمة سكنت الجسد، ويتصور أنه جسد عليه إشباع كل رغباته الأرضية أو الدنيوية أو المادية، لهذا نراه غير قانع بما يملك وينظر دائماً إلى ما عند الآخرين، ويحاول بشتى الطرق أن يحصل على المزيد مما يملك عن طريق السرقة والحيلة والكذب واستخدام القوة، وكل ما يتماشى مع طبيعة الروح.
في الأيام الأخيرة ناداني كتاب الحكيم الهندي «أوشو» في إحدى مكتبات معرض الشارقة للكتاب، وتحت عنوان «حتى تموت» نقله إلى العربية أيمن أبو ترابي. في بداية الكتاب ينقل أوشو قصة «حتى تموت»؛ بمعنى أن على المرء أن يموت قبل أن يموت تقول القصة..
كان في قرية رجل غني وكريم، وبما أنه كان يحظى بمرتبة عالية ضمت جماعة روحية خفية، فقد كان يلقب برئيس العالم، كان يعطي كل يوم قطعة ذهبية لصنف من المحتاجين كالفقراء والأرامل.. إلخ، غير أنه لم يكن يعطي شيئاً لمن يتفوه بكلمة ولا لمن يظل صامتاً.
ذات يوم جاء دور المحامين باستلام حصته من المنحة غير أنه لم يتمكن من كبح نفسه عن الكلام، فأخذ يستغيث بأقصى ما يمكنه، فلم يحصل على شيء، ومع ذلك فلم تكن هذه آخر محاولاته، ففي اليوم الثاني تم تقديم المساعدة للمقعدين، فظهر المحامي وكانت رجلاه مكسورتين غير أن الرئيس عرفه ولم يحصل على شيء، وحاول مراراً وتكراراً حتى أنه تنكر في زي امرأة فلم يصل أيضاً إلى أية نتيجة.
في نهاية الأمر عثر المحامي على متعهد لدفن الموتى وطلب منه أن يلف جسده بكفن قائلاً عندما يمر الرئيس بجانبي فربما يفترض أن هذه جثة فيرمي ببعض النقود علي، مدني وبعدها سأعطيك قسماً منها، وهذا ما حصل بالضبط، فقد رمى الرئيس بقطعة من الذهب على الكفن، فسارع المحامي إلى وضع يده عليها خوفاً من أن يستولي عليها المقاول أولاً، ثم قال للمسن الكبير لقد رفضت أن تعطيني منحة فانظر كيف حصلت عليها، فأجابه الرجل السخي قائلاً لن تحصل عليها حتى تموت.
هذا هو معنى العبارة المبهمة «على المرء أن يموت قبل أن يموت» بعد هذا الموت تأتي المنحة وليس قبله، ولكن حتى هذا الموت لا يمكن أن يأتي دون مساعدة.
ما أريد التأكيد عليه هنا هو ألا ننظر إلى أنفسنا من منظور اليومي المعيش الفاني الزائل المؤقت وننسى الخالد السامي الدائم دون السمو بأنفسنا وأفكارنا وتطلعاتنا وأحلامنا، لن نصل إلى مرحلة الرضا، والتي كما قلت من قبل، التشبع والامتلاء بالنعم الإلهية والكونية، وحتى نصل إلى هذه المرحلة علينا أن نكون أكبر من هذا الجسد الذي نحمله وأكثر سعة من هذه الأرض التي عليها نحيا.
إنك لن تحصل على الرضا دون أن تحقق رحلتك الأرضية والمهمة الأساس التي جئت لإنجازها.