الرأي

خالد البسام.. الصورة التي لم يلتقطها مصور عنيزة

ورق أبيض



كعادة الكبار؛ رحل بهدوء الزميل الإعلامي والأديب المؤرخ خالد البسام، بعد أن أثرى المكتبة البحرينية والعربية بما يزيد عن 30 مؤلفاً تنوعت بين التاريخ والصحافة والأدب، عدا آلاف المقالات في عددٍ من الصحف البحرينية والعربية.
رحيل البسام أثار بداخلي ما هو أكثر من الرثاء.. لقد نكأ جرحاً وولد أسئلة لم تجد إجابة، ليس لأن الرحيل الهادئ صدم كل من عرفه وتابع رحلته الصحافية والأدبية طوال العقود الماضية بعد أن اختار لنفسه، مثل بعض زملائه المبدعين، الابتعاد عما تعانيه الساحة الثقافية، صحافة وأدباً وفكراً، من فحيحٍ يتحول إلى مناكفات صاخبة أو ضجيج مبتذل لا يتفق مع أجواء الكبار الباحثين عن بيئة مناسبة للإبداع الذي يعد لغة مشتركة تلغي الانقسام وتخلق متنفساً حقيقياً يؤسس لاتفاق يحترم الاختلاف دون أن يحوله إلى خلاف.
رحيل خالد البسام آلمني كثيراً بقدر الدموع التي يذرفها من أدمنوا أن يهزوا رؤوسهم معلنين عظم خسارة فقده، وهم صادقون في ذلك، ولكنها دموعٌ وأسفٌ لا يلغي حقيقة أنهم تجاهلوه وأمثاله من الكبار الذين تؤكد الشواهد والوقائع أن الزمان لن يجود بأمثالهم في المستقبل المنظور.
أمثال خالد البسام في الدول الأخرى يعيشون في قلب الحدث اليومي لما يملكون من ثقافة رفيعة وأدبٍ عميق وتاريخٍ فكري، فيجتهد الإعلام لتقديمهم في أطر عصرية تجسر الهوة بين الأجيال وتربطهم بمكونات الهوية الوطنية والقومية للأمة.
لن أرثي خالد البسام فأمثاله لا يموتون بعد أن اختاروا الخلود ونقشوا أسماءهم على الصخر دون أن يلتفتوا لمن تجاهلوا إبداعهم، فالكرة الأرضية أكثر اتساعاً من مكاتب من لم يفكروا بهم، وهناك حول العالم من يقرأ، فكتاب «خليج الحكايات» وكتاب «صدمة الاحتكاك» حققا أكثر الكتب انتشاراً في بريطانيا، وكان آخر إنجازاته قبل أسابيع من رحيله تسلمه جائزة دول مجلس التعاون الخليجي في الإبداع.
لن أرثيه فقد رحل وترك ثروة ضخمة وجواهر نفيسة مثل «كلنا فداك»؛ الذي أرخ فيه للعلاقة التاريخية التي جمعت بين شعب البحرين والقضية الفلسطينية، مستذكراً رحلته إلى القدس عام 1964 مع والده قبل الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة.. وكتاب «رجال في جزائر اللؤلؤ» وكتاب «تلك الأيام» وغيرهما من النفائس، ولكني سأبقى أتشبث بأمنية لا تفتأ تراودني كلما تكرر نفس المشهد لرحيل الكبار الذين يتم تجاهلهم وصم الآذان وإغماض الأعين عنهم ثم يتذكرونهم فجأة عندما يرحلون فيذرفون دموعهم في انتظار رحيل قامة أخرى ليجددوا ذات العبارات الجوفاء، وأبعد ما يمكن أن يقوموا به هو تسمية مشاريع ثقافية بأسمائهم مكتوب عليها أن تُنسى قبل أن يحول الحول على رحيلهم.
أمنيتي أن نتذكرهم في حياتهم.. نسأل عنهم.. نخلدهم أحياءً.. ونستمتع بقراءة كتبهم وبالاتصال عليهم للتعبير عن آرائنا، فهم ليسوا بحاجة إلى أن نتذكرهم ونحن نهيل التراب على قبورهم.
ورغم كل التطور الذي وصلت إليه البشرية في 2015 بقي خالد البسام الراحل الهادئ بعيداً عن أضواء المصورين، ليكون الصورة التي لم تلتقطها عدسة مصور عنيزة.
- ورق أبيض..
الخلود للصامتين عن الإساءة.. للهادئين في ضجيج الابتذال.. للمترفعين عن بحور الضحالة مهما ارتفعت أمواجها.. المجد للراحلين بهدوء.. ليرحمك الله يا خالد.