الرأي

دبلوماسية الهدوء السعودي

ورق أبيض







المتتبع لتاريخ الدبلوماسية السعودية الخارجية يرى أن أهم ما يميزها هو ذلك الكم من الهدوء والرصانة التي تعاملت بها مع أعدائها قبل أصدقائها، ويلحظ النفس الطويل التي تتمتع به تلك الدبلوماسية التي أسس لها عميدها الراحل سعود الفيصل رحمه الله.
اليوم يخرج علينا بعض المحللين والإعلاميين، والذين يوصفون بمقربين من صناعة القرار السعودي، بتحليلات وأفكار غربية تتناقض تماماً عما عهدناه من تاريخ الدبلوماسية السعودية، محاولين الترويج لأفكارهم وتوجهاتهم المعلنة والخفية، لإشاعة جو من العدائية بين الدولة السعودية وأشقائها وحلفائها.
حالة النفور التي أصبح يروج لها بين الشقيقتين السعودية ومصر، كانت أحد الأهداف التي تتداولها بعض الصحف، مع زيادة في جرعة تصوير خلافات جوهرية كبيرة بين البلدين، وهذه الحالة تهدف إلى تحشيد الرأي العام في كلا البلدين، طمعاً في استفادة أطراف لها مصالح من أي خلاف قد ينشأ بين الدولتين.
إن الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا بين الدول أمرٌ طبيعي، فلا يمكن أن تتطابق الرؤى والمصالح بين دولتين بشكل كامل مهما كانت العلاقات بينهما، لكن في الحالة السعودية من الغريب الحديث عن تدني مستوى الخطاب، فقد كانت السعودية على الدوام الشقيقة الكبرى، والقادرة على احتواء القاصي والداني، في ظل خطاب دبلوماسي متزن لا يتدنى لمستوى القذف والشتم، بل يتعامل مع كل حالة على حده، ويتخير النفس الطويل مهما كانت الاستفزازات؛ فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بمصر التي يدرك العرب جميعاً أنها والمملكة العربية السعودية الجناحان اللذان يحلق بهما العالم العربي والإسلامي.
والتاريخ الحديث شاهد على عمق هذه السياسة وهدوئها؛ فرغم كل ما قام به العقيد القذافي من مماحكات وهجوم على السعودية على مدى سنوات، وصلت إلى حد التخطيط لاغتيال قياداتها، فإن تعامل المملكة كان على الدوام محاولة الاحتواء والترفع عن الرد بنفس المستوى، ولا ننسى السنوات الطوال التي تعاملت بها المملكة مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، رغم معرفتها بكل مايقوم به.
كيف ينسى هؤلاء الطريقة التي تعاملت بها السعودية مع حسن نصرالله في 2006 الذي وصل خطابه إلى مرحلة من التدني غير المسبوق رداً على الراحل سعود الفيصل الذي سمى التحركات الفردية للحزب واستبداده بالقرار الوطني اللبناني مغامرة غير محسوبة ليخرج نصر الله بنفسه وبعد توقف الهجمات الإسرائيلية ودمار لبنان ليقول: (لو كنا نعلم أن ردة الفعل الإسرائيلية ستكون بهذه الطريقة ما قمنا بالعملية)، عادت السعودية لإعمار لبنان بعد أن تبخرت وعود نصرالله ببناء لبنان بأموال الخامنئي (الطاهرة).
كيف ننسى تعامل السعودية مع سوريا الأسد التي لم تدخر جهداً طوال العقود الماضية للمساهمة مع حليفها الإيراني للقيام بكل ما من شأنه المساس بأمن دول الخليج سواء بإيواء الفارين أو تدريبهم أو التعاون مع إيران وحزب الله للنيل من السعودية وحلفائها.
لاشك أن من يروجون لوجود خلافات سعودية – مصرية بالسيناريوهات المطروحة التي تحمل كل معاني الابتذال والإسفاف لم يقرؤوا بشكل جيد تاريخ السياسة بين البلدين لتختصر صورة الزعيمين الراحلين فيصل بن عبدالعزيز وجمال عبدالناصر بعد ساعات من العدوان الإسرائيلي على مصر، وقد محت أيديهما المتشابكة كل خطابات إذاعة صوت العرب ووصلات الردح على المنابر التي قام بها أسلاف من يروجون الشائعات اليوم.
والحقيقة المجردة أن كل تلك الشائعات هي عبارة عن أمنيات لا واقع لها إلا في الخيال الواسع الذي يتمتع به هؤلاء، والذي عجزت الوقائع وأهمها وجود مصر ضمن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية وتصريحات القيادة السعودية ووزير خارجيتها عادل الجبير بمتانة العلاقات بين البلدين من إيقاظهم من حلم الخلاف الذي سيتحول إلى كابوس يقض مضاجعهم.