الرأي

صفقة النية السيئة

بنــــــــــادر



المجتمعات التي يبرمج فيها الأطفال عبر العمل دائماً للحصول على الربح السريع دون بذل أي جهد عضلي أو ذهني، وذلك من خلال ما يدعى بالذكاء في اقتناص الفرص، مهما كانت نوعية هذه الفرصة ومهما كانت أخلاقيتها، فالذي غايته الربح لا يهتم كثيراً بالأخلاق الفطرية أو الإنسانية، ولهذا نرى العديد من الأشخاص ما إن يسمعوا بورطة إنسان ما في قضية أو إفلاس إلا ويسارعون للهجوم عليه ومعرفة إن كان سيبيع أرضه أو بيته أو ما يملك بأرخص سعر ممكن، فالإنسان «المزنوق» والمحتاج لمبلغ ما لا يفكر كثيراً في سعر الأرض التي سيبيعها بقدر ما يفكر في المبلغ الذي عليه أن يسدده، وهذا يحصل يومياً وفي كل المجتمعات التي يوجد فيها عيون تتابع من يسقطون في حفرة السلف والدين والقروض، لا من أجل مساعدتهم للنهوض من كبوتهم إنما لانتشالهم وأخذ ما يملكون، معتبرين ذلك نوعاً من أنواع الذكاء في اصطياد الفرص.
يحكى أن عجوزاً فرنسية اسمها «جين» وقد بلغت من العمر تسعين عاماً، وكانت أرملة ولديها بنت واحدة ماتت من مرض الالتهاب الرئوي، وكان لها حفيد واحد توفي أيضاً بسبب حادث مروري، ولم يبق أحد من العائلة غيرها، وكانت تعيش في شقة في وسط باريس وفي منطقة حيوية..
كان ذلك في عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين، ولم تجد جين أحداً يعيلها ويصرف عليها وهي لا تستطيع العمل ومدخولها الوحيد قليل جداً ولا يكفيها، وقد لاحظ ذلك أحد المحامين فأراد استغلال الوضع لصالحه، فعرض عليها أن يدفع لها مبلغ ألفين وخمسمائة فرنك فرنسي شهرياً طيلة حياتها مقابل أن تعطيه الشقة بعد مماتها.. وافقت جين من دون تردد، خصوصاً بعد أن وضع ضمانات لها أنه لن يتراجع عن ذلك العقد ولا يمكن لأي طرف إلغاؤه...
اعتقد المحامي أن امرأة في هذا السن لن تعيش لأكثر من سنتين أو ثلاث وسيحصل على الشقة بسعر زهيد، لكن ما حصل غير ذلك تماماً؛ فقد عاشت جين وبلغت سن المائة واثنين وعشرين ومات المحامي قبلها بسبب مرض السرطان، وعاشت هي واحتفظت بالشقة بعد أن دفع المحامي طيلة ثلاثين عاماً أضعاف قيمة الشقة ولم يحصل على شيء في النهاية.
هذه القصة وغيرها تحاول أن تقول لنا إن على الإنسان ألا يتصور أنه يعرف من سوف ينتهي وقته، ومن الممكن الاستفادة منه.
إن نية هذا المحامي قد تكون من الخارج جيدة، ولكن من الداخل سيئة كل السوء، لأنني أشعر أنه تضايق من عدم موت هذه العجوز، وفكر كثيراً في أنه قد يموت قبلها، هذا التفكير السلبي، رغم وجود المساعدة الخارجية، هي ما جعل الله أن يأخذه قبلها. لأن هذا المحامي لا يعرف أن كل إنسان له موعد يحدده الخالق لا الآخرون أو الأطباء أو غيرهم.
إذا أردنا الخير لنا ولمن حولنا فعلى قلوبنا أن تؤكد على الحياة وليس الموت.. على المحبة وليس الكراهية.. على الصحة وليس المرض.
هل نتعلم من هذه القصة وغيرها لتكون حياتنا أفضل.. أرجو ذلك.