الرأي

السعودية حينما تغضب!

اتجــاهـــات


القوى الغربية العالمية وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا يدركون تماماً خطورة الغضب السعودي باعتبار المملكة قوة إقليمية وقوة اقتصادية عالمية وعليه فإن محاولة إصلاح فوري للعلاقة وتقديم اعتذارات وتصحيح المسار سيكون سيناريو متوقع في الفترة القادمة


أول تعليق صدر عن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بمناسبة فوز المعارض المثير للجدل جيرمي كوربين برئاسة حزب العمال كان اعتباره هذا الفوز يمثل «خطراً يهدد الأمن القومي البريطاني».
ورغم ذلك فإن كوربين أعلن أنه أقنع خصمه اللدود من حزب المحافظين كاميرون بإلغاء عقد لتدريب موظفي مصلحة السجون في السعودية بقيمة 6 ملايين جنيه إسترليني، وبرر ذلك بسبب حكم قضائي في السعودية بإعدام شخص متهم في قضايا تمس الأمن الوطني، في حين تشير الشواهد للهجوم الدائم لكوربين على السعودية وحتى البحرين، وتعاطفه الصريح مع «حزب الله» وإيران.
السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز كتب مقالاً قوياً في الـ «ديلي تيلغراف» حذر فيه بريطانيا من تبعات توتر الأمور بسبب كوربين، وأن «السعودية لن تقبل محاضرات من أحد في شؤونها الداخلية، وأن ما يسعى له كوربين سيعود بالضرر على العلاقات الثنائية وأن المتضرر الأكبر منها هي بريطانيا نفسها التي تصل استثمارات السعودية فيها لحاجز الـ 90 مليار جنيه ضمن صفقات عديدة في المواصلات والصحة والتعليم، وأن 50 ألف بريطاني يعتمدون في معيشتهم على ما تجنيه بريطانيا من الاستثمارات السعودية».
صحيفة الـ «فايننشال تايمز» دقت ناقوس الخطر باعتبار أن الاقتصادي البريطاني سيكون عرضة للخطر إضافة لخطورة توتر العلاقات الدبلوماسية مع السعودية. وللإشارة فإن حجم الصادرات العسكرية البريطانية للسعودية بلغ العام الماضي فقط 4 مليارات جنيه إسترليني.
الـ «فايننشال تايمز» أشارت بقلق لاحتمالية تعثر صفقة جديدة لبيع مقاتلات «تايفون»، استكمالاً لعقد وقع في عام 2007 لتصدير 72 مقاتلة للسعودية، وأن وقف الصفقة قد يقود شركة أنظمة السلاح «بي إي سيستمز» لتقليص الوظائف وإغلاق بعض المنشآت. طبعاً العقد هذا لوحده تقدر قيمته بمليارات الجنيهات.
يضاف إلى ذلك المبالغ الكبيرة التي تحصدها الجامعات البريطانية من وراء الطلبة السعوديين الذين يقدرون بعشرات الآلاف ومن وراء التأمين الصحي السنوي لهم ولعائلاتهم.
السفير السعودي ذكر بريطانيا بأفضال المملكة عليها حتى على صعيد الأمن القومي، إذ في عام 2010 قادت المعلومات الاستخباراتية السعودية لإجهاض تفجير طائرة شحن فوق بريطانيا من قبل تنظيم القاعدة. ويومها شكرت بريطانيا السعودية وقال رئيس وزرائها بالنص: «إن المعلومات التي وردتنا من السعودية أنقذت حياة المئات في بريطانيا»، وقال فيليب هاموند الذي يشغل منصب وزير الخارجية حالياً «أمن الخليج هو أمن بريطانيا، ويجب التعامل مع السعودية بالاحترام الذي تعاملت به مع بريطانيا».
صحيفة «التايمز»، أشارت إلى رد سعودي سريع على ما فعله كوربين، حينما ألغت زيارة وفد برلماني رفيع المستوى كجزء من وفد «الناتو» فيه مسؤولون بريطانيون قبل أيام.
المتوقع الآن هو أن يدرك كاميرون حجم خطورة التعامل مع السعودية بهذه الصورة، وأن كوربين يحاول استغلال موقعه للإضرار بالشراكات الثنائية لبريطانيا مع حلفائها، وقد يكون الهدف ضرب حزب المحافظين والعمل على إبراز نجمه لخوض انتخابات الحكومة في 2020.
المثير في الأمر أن كوربين له من الأفكار المتطرفة ما تشمئز منه طبيعة الشعب البريطاني نفسه، فهو يرفض غناء النشيد الوطني ويحرض ضده، وهذه نقطة بالغة الأهمية تستدعي التوقف عندها. أفكاره الخطيرة بشأن الجيش البريطاني وصفقات التسلح يمكنها أن تفجر فوضى داخل بريطانيا، فقد أشارت صحيفة «الإندبندنت» إلى تصريحات جنرال داخل الجيش البريطاني حذر كوربين من مواجهة «تمرد» علني من الجيش البريطاني إن قلل من شأنهم وأدى لتعريض البلاد للخطر. وللتوثيق فإن كوربين «رفض» إدانة الجيش الجمهوري الأيرلندي فيما ارتكبه من أعمال إرهابية قتل فيها 730 جندياً بريطانياً وتسبب بإصابة 7 آلاف. أي أنه يرفض إدانة أعمال إرهابية استهدفت بلاده!
أعضاء في حزب «العمال» أنفسهم أبدوا مخاوف من كوربين الذي لفظه المجتمع السياسي البريطاني طوال 32 عاماً، بعضهم أكد أنه شخصية معزولة داخل الحزب، وأحد قيادي الحزب قال بعد فوزه «لقد حل الظلام، والأمور ستتهاوى».
القوى الغربية العالمية وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا يدركون تماماً خطورة الغضب السعودي باعتبار المملكة قوة إقليمية وقوة اقتصادية عالمية، وعليه فإن محاولة إصلاح فوري للعلاقة وتقديم اعتذارات وتصحيح المسار سيكون سيناريو متوقع في الفترة القادمة.
يبقى الحديث عن «مجانين السياسة» و«أصحاب الأجندات» مثل كوربين الذي يلتف حوله جموع من كارهي أوطانهم والعاملين ضدها، مثل «مرتزقة إيران» الذين يسمون أنفسهم بحرينيون في لندن. هذا النوع من البشر يعملون بأسلوب «شياطين السياسة» الدين لا يهمهم إن حرقوا بلدانهم أو تسببوا لها بنكبات اقتصادية وأزمات سياسة، هؤلاء استمرارهم في مواقع تأثير يمثل «مقامرة» تهدد الأمن القومي مثلما وصفها ديفيد كاميرون بنفسه.
لذلك الكرة في الملعب البريطاني، فالسعودية قالت ما لديها، والتطبيق الفعلي لكل حرف تحذير قيل متوقع وبكل قوة.