الرأي

«عاشوراء» بالتبرع بالدم وليس بسفكه

«عاشوراء» بالتبرع بالدم وليس بسفكه








مع حلول ذكرى عاشوراء الحسين «ع»، والتي نراها واحدة من المناسبات الدينية التي يستوجب احترامها وإعطاؤها الأهمية والمكانة اللازمة التي تستحقها عبر إحيائها بالطريقة التي تعمق من محتواها وعمقها الإنساني والحضاري والتربوي، بما يخدم ما ضحى من أجله الحسين، وليس العكس أو النقيض من ذلك.
قضية الحسين التي أكدنا طوال الأعوام الماضية على أنها قضية فكرية ذات محتوى أخلاقي، يهدف إلى تقويم الإنسان وإرشاده، لما هو أفضل وأجدى، للأسف نجد أن الكثير من المظاهر الغريبة أساساً عن القضية والتي ما كان يمكن أبداً للحسين أن يقبل ويقر بها، تطغي عليها، وأن رهطاً كبيراً يسعون لجعلها مواسم ندب وبكاء وتطبير ولطم وصراخ وعويل، حتى إنك قد لا تجد بين العديد من هؤلاء الرهط من لا يفهم شيئاً مفيداً عن حقيقة وواقع قضية الحسين ومراميها الإصلاحية والإنسانية الثرية.
عاشوراء التي تهل علينا بعبق أريجها الفكري المعنوي الفواح، من المؤسف أن نجد من يستعد لإحيائها بالتطبير وسفك الدماء، ليعبر من خلال ذلك عن حبه وإيمانه بالحسين، لكننا نؤمن تماما بخطأ وعدم جواز هذا المنحى الدموي، لأن عاشوراء هي ذكرى حية وتطل علينا كل عام لإحيائها والإحياء لا ولن يكون عبر التطبير وسفك الدماء أبداً، والتي توحي للموت والدمار وإنما عن طريق آخر، يوحي فعلاً بالإحياء الذي هو مشتق من الحياة، كالتبرع بالدم، ذلك أن تتبرع بالدم لإنقاذ مريض أو حالة طارئة أفضل بكثير من سفكه عبثاً من دون طائل. إننا من موقعنا الإسلامي ونحن على مشارف مناسبة عاشوراء، ندعو ونحث شيعة العرب في كل أنحاء الوطن العربي، وسائر أرجاء العالم، إلى الانتباه إلى حقيقة أن إحياء مناسبة عاشوراء وتخليدها ومنحها المكانة والاعتبار اللازمين، إنما يكون عن طريق مظاهر وتصرفات ومعطيات توحي بالحياة وديمومتها، وتبعث على الأمل والتفاؤل، وما هو الأفضل بالنسبة للناس، ذلك أن قضية الحسين هي أساساً قضية معطاءة، قضية تبعث على الخير والحق والحب والتفاؤل والأمل، وليست وسيلة للبكاء والعويل ولسفك الدماء، والمظاهر السلبية الأخرى التي لا تخدم أبداً هذه القضية لا من بعيد ولا من قريب.
إننا إذ نطالب شيعة العرب بإحياء عاشوراء بالتبرع بالدم، وليس بالتطبير والضرب بالسلاسل وما شابه، فإننا لسنا نأتي برأي غريب وشاذ بهذا الصدد، ذلك أن هناك العديد من العلماء والمراجع الشيعة الأجلاء ممن وقفوا ضد ظاهرة التطبير بشكل خاص وضد ظواهر أخرى تساهم في حرف المعنى والقيمة الاعتبارية لقضية الحسين عموماً ولمناسبة عاشوراء خصوصاً. وهنا نذكر من باب الفائدة بما أفتى به آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله «طيب الله ثراه» بهذا الخصوص عندما قال «... كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزناً على الإمام الحسين «عليه السلام»، فإنه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفاً أو مغلفاً ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها»، أو ما قد أفتى به آية الله العظمى السيد محسن الأمين بنفس السياق: «.... كما أن ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال»، ناهيك عما أكده العلامة الشيخ محمد جواد مغنية والذي فيه الكثير من التوضيح ووضع النقاط على الأحرف حينما أفتى بالقول: «.... ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم إن هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر».

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان