الرأي

اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي

ملامح






لسنا من دعاة نظرية المؤامرة، لكنما الواقع الدولي المعاش يجبرنا أحياناً على النظر من منظارها، خاصة إذا كانت هناك أنشطة يدور حولها اللغط والإيماء.
ليس غريباً أن تلعب الدول العظمى لصالح «ورقها»، فمن لا يملك القدرة على ذلك يخرج من اللعبة «خاوي الوفاض».
اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي، والمعروفة باتفاقية «TPP»، تقف أمامها علامات استفهام عدة، تحيلنا إلى جانب «طور» «نظرية المؤامرة»، نحتمي به، ونبكي، فـ «لا أرضاً قطعنا ولا ظهراً أبقينا»، فشعوب العالم العربي والإسلامي، أسواق استهلاك، وميدان تجارب.
هي اتفاقية تجارة عالمية سرية وقعتها 12 دولة، وتمنح الشركات صلاحيات واسعة للتحكم بما يزيد عن 40? من اقتصاد العالم، ومن شأنها توسيع نطاق الرقابة على الإنترنت، وتحقيق أحلام شركات الأدوية الضخمة وشركة «مونسانتو» - شركة متعددة الجنسيات ومنشأها في أمريكا - المنتجة للبذور المعدلة وراثياً في السيطرة على القوانين الدولية، وهي شركة تملك تاريخاً طويلاً من المشكلات في مجالات الأغذية المعدلة وراثياً، أو الصراع مع المزارعين ببيعهم بذوراً عقيمة لا تنبت، ومبيدات حشائش أثرت على صحة المواطنين، في كولومبيا والهند، وهناك العديد من الدعاوى القضائية ضد هذه الشركة.
ومع ذلك نجحت «مونسانتو» عام 2013 في تمرير ما يسمى بـ «قانون حماية مونسانتو» الذي يمنحها حصانة قانونية، إذ أصبح من الصعب مقاضاتها حتى لو ثبت أن منتجاتها تسبب أضراراً صحية وبيئية.
ولأن في الأمر عجباً، فإن «مونسانتو» هي واحدة من عدة شركات أجرت أبحاثاً لتصنيع القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية، كما أنها أدارت معملاً نووياً للحكومة الأمريكية حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي.
ما كشفته «ويكيليكس» سابقاً عن جزء من الاتفاقية، يؤكد صحة الإبصار عبر منظار «نظرية المؤامرة»، فانظر ماذا جاء فيها «في حال قامت دولة بمنع مادة كيميائية سامة، أو فرض وضع إشعار على الأغذية المعدلة وراثياً، أو تشديد الأنظمة البيئية، فإن الـTPP تمكن الشركات من مقاضاة الحكومات في محاكم دولية سرية مدارة من قبل محكمي الشركات. وفي حال خسرت الحكومة، قد يضطر دافعو الضرائب لدفع مليارات الدولارات لهذه الشركات تعويضاً عن خسائرها».
وأضافت أن هذه الاتفاقية «قد تمكن شركات الأدوية الضخمة بتمديد احتكاراتها إلى حد قد يؤدي إلى منع مرضى السرطان والإيدز من الحصول على أدوية رخيصة، وقد يجرم أي شخص يكشف عن أنشطة غير قانونية للشركات عبر الكمبيوتر».
هذه الاتفاقية التجارية لا تنفصل عن التحركات السياسية والعسكرية للقوى الكبرى في المنطقة، صحيح أن الولايات المتحدة ترغب بشدة في محاصرة التجارة الصينية، لكنها في ذات الوقت تسعى إلى التضييق على روسيا، والتخلص من احتكارها لمكان مصدر الطاقة الأهم لأوروبا في بحر قزوين، وهذه الاتفاقية جزء من هذه الصورة، وقد يكون متضمناً في بنودها بعض ما يشير إلى ذلك طالما هو سري وغير قابل لإطلاع العامة.
السؤال المهم هو: لماذا رفضت حكومات الدول الإثنى عشر فتح النص للعامة؟ يبدو أن في الأمر عجباً!