الرأي

لماذا «باب الهجرة» عند الناس موصود؟!

لماذا «باب الهجرة» عند الناس موصود؟!


لانزال نستذكر حصة معلمة اللغة العربية، وهي تدعو أي طالبة منا، للتوجه إلى سبورة الفصل، وكتابة التاريخ الميلادي على اليسار والتاريخ الهجري على اليمين، فيما بالوسط يكتب عنوان درس اليوم!
من هذا السلوك البسيط بالمدارس كانت أجيال زمن «راحوا الطيبين» تتابع التقويم الهجري، وتحفظ أسماء شهوره، ولو أنك سألت أحداً من الجيل الناشئ حالياً في المدرسة عن التقويم الهجري وفي سنة كم نحن، لربما أدهشك بسؤال من نوع «وما هو التقويم الهجري؟».
كثير من المصادر الإسلامية تؤكد أن من أنشأ التقويم الهجري سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن الصحابة أجمعين، بعد إجماع منهم على تحديد تاريخه، الذي يأتي من تاريخ الدولة الإسلامية، وهو تاريخ الهجرة النبوية المشرفة، التي كانت بداية إقامة دولة الإسلام، والتقويم الهجري يأتي على الميقات القمري، الذي أمر الله في القرآن الكريم باتباعه في سورة التوبة «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض»، هذا التاريخ العظيم مع تواكب الأجيال الحالية التي تجهل الكثير عنه ولا تهتم به لابد من حفظه وتوثيقه، من خلال الكثير من الجهود والمبادرات من قبل دولنا العربية والإسلامية، ولن نقول إننا نطمح لاعتماده في المراسلات الرسمية بالدولة، إنما على الأقل في المدارس، وإلزامها به، سواء الحكومية أو الخاصة، وهو أضعف الإيمان، فمؤلم أن يدفن هذا التاريخ ويتلاشى، أو لا تعرفه الأجيال القادمة ولا تهتم به.
نبارك للأمة العربية والإسلامية بالعام الهجري الجديد، ونسأل الله أن يكون عام خير وبركة، وأن يُنصر المسلمون في كافة أرجاء العالم، غير أن ما نلاحظه الاهتمام الكبير من قبل شبابنا باحتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة، وما يقومون به من مظاهر، بالمقابل تمر ذكرى السنة الهجرية كما هي «نشعر بأنه لو لم تكن هناك إجازة لما تذكر الناس أن السنة الهجرية انتهت وبدأت أخرى!»، ومنهم من يضع جدولاً وخططاً لسنوات حياته القادمة على التقويم الميلادي، الذي يعود إلى سنة ميلاد المسيح، ولا يهتم بالتقويم الهجري الذي جاء مع بداية إقامة دولة الإسلام!
مناسبة بدء سنة هجرية جديدة من حياتنا محطة جميلة تدفعنا كمسلمين إلى «إعادة النظر» في الكثير مما مضى، ومما هو قادم، وجدولة خططنا لسنواتنا القادمة، فقد مر عام من حياتنا بأيامه المليئة بمختلف النجاحات والمطبات، بنهاراته الجميلة ولياليه المظلمة، مر وقد أخذ منا الكثير ومنحنا الكثير، وتعلمنا خلاله الكثير، لا يمكن للإنسان أن يشعر بسنوات حياته وأيامه إن لم يمر عام جديد عليه، ولم يشعر أنه كبر فعلاً عاماً، لكن ليس بالعمر بل برصيد تجاربه وخبراته من الحياة.
ينبغي على كل مسلم أن يواجه نفسه بمثل هذه الأسئلة: ما الذي تتمنى عمله في عامك الهجري الجديد؟ ليس على المستوى الشخصي بل لهذه الأمة المنكوبة بكوارثها وقضاياها، هل حققت أموراً إيجابية تنفعك في صحيفة الآخرة لا الدنيا؟ ما أسوأ ما قمت به وتنوي تغييره أو جعل هذه السنة بداية التغيير؟
كثير من الناس عندما نسمع عن أمنياتهم في عامهم الجديد معظمهم في الغالب تكون أمنياتهم دنيوية وقصيرة المدى، نادراً ما تجد من بين الأمنيات من فطن أن السنة الماضية من حياته قد جعلته يقترب سنة أخرى إلى قبره، حيث مرقده الدائم إلى حين ما يبعث، ربما تكون سنته الأخيرة، فمن يدري، فالأعمار بيد الله سبحانه يأخذها متى يشاء، وقليل من ينتبه إلى أهمية أن يجعل في السنة المقبلة مساحة لنفسه يعمل من خلالها لآخرته.
في حديث دار بيني وبين سيدة بدأ التغيير يطرأ على حياتها، حيث بدأت ترتدي الحجاب وتصلي وتكثر من الأذكار، فقد قالت جملة مؤثرة، وكأنها قد استيقظت فجأة من سبات غفلتها الدنيوية: «ارتديت الحجاب وأصبحت أصلي بعد أن أمضيت حياتي السابقة كلها بلا حجاب ولا صلاة لأنني اكتشفت وأنا أتم سن الخمسين أن الله إذا ما أكرمني ومد لي بالعمر فإن العمر القادم لن يكون بعدد سنوات العمر الذي مضى! علي أن أعمل جاهدة عل الله يغفر لي!». هذا الكلام لا يعني أن ينتظر المرء أن يصل إلى سن وعمر كبير حتى يهتدي فلا أحد يدري عن يوم رحيله عن الحياة.
إننا نضيع أوقاتنا وعدداً من سنوات عمرنا لأجل الركض والسعي وراء مجموعة من الأمنيات، وما أن يحققها الله لنا ونجدها بين أيدينا حتى نجد أن أنظارنا قد تحولت إلى أمنية أخرى وحلم جديد.
هل هناك من يفطن أن السعادة الحقيقية هي السير على دروب الله لا دروب البشر؟ هي تحقيق مكاسب دائمة تكون معك بالدنيا وترافقك بالآخرة؟ من يتقن عمله ويخلص فيه ويجعله مرجعاً تستفيد منه الأجيال القادمة، ومن يمتلك تجارة ويخصص بعضها وقفاً عاماً للمسلمين، ومن يخصص جزءاً من أمواله في كفالة الأيتام والصدقات الجارية، هو الغانم الذي خلط سعادته في الدنيا للآخرة.
لا أعلم إن كان أحد منا يوماً ما توقف عن السير في أمنيات دربه، وسأل نفسه هذا السؤال، كل هذا بعده ماذا؟ ما الذي سيشفع لي غداً عندما أقف أمام ربي وأنا لا أحفظ من كتابه شيئاً؟ وأنا لم أقض واجباتي كما ينبغي وقد ظللت في حياتي مجتهداً في كل شيء إلا ديني، الذي لم أخطط لأن أطور نفسي فيه، وأترقى وأتقدم، وأن أعلو درجات أعلى من درجات تعبدي اليومية؟!
غانم جداً من قضى وقته في عمل الخير، خاصة عندما يكون عمل الخير في الخفاء وبعيداً عن أعين الناس، غانم جداً من حفظ القرآن كاملاً، كي يكون شفيعه ومن يظلله يوم الحساب، غانم جداً من فطن أنه سيزف إلى قبره بعد خمسين أو ستين سنة، فانتبه لذلك وأخذ يهاجر بعمله إلى دار الآخرة، غانم من بدأ في الاستعداد للهجرة من دار الدنيا إلى دار الخلود الأبدية.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
* إحساس عابر:
عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.