الرأي

«إعادة نظر» قد تعود بالدعم إلى اللحوم

«إعادة نظر» قد تعود بالدعم إلى اللحوم




شعب البحرين شعب واعٍ ويقدر الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، خدمات ومصالح كثيرة لا ينكرها إلا جاحد




كل ما تحتاجه الدولة لدعم اقتصادها المتعثر، هو إعادة نظر! إعادة نظر في جميع المجالات التي يمكن أن ينتعش منها الاقتصاد، ليرجع الاقتصاد أفضل مما كان عليه، وذلك بعدما يتم وضع اليد على المشكلة، لأن الحلول لا تأتي من خلال توفير بعض الملايين من هذا الباب وذاك الباب، وبعدها ماذا يحدث؟ المشكلة تتفاقم فلا إيرادات تتحسن، ولا اقتصاد ينمو، وذلك عندما لا يعاد النظر في كل شيء، في شركات وطنية، وفي مؤسسات خدمية، وفي قطاع يمكن إنعاشه، وهذا لا يكون إلا عبر برنامج تتبناه الدولة، ألا وهو «إعادة النظر».
لدينا شركات وطنية، فأين المشكلة؟ إحدى الشركات يتم دعمها من ميزانية الدولة بـ150 مليون دينار! إذن في هذه الشركة مشكلة؟ شركة رواتب ومنافع موظفيها توازي رواتب النواب وتزيد عليهم؟ دورات تدريبية في دولة أوروبية، وابتعاث إلى أفضل الجامعات، وتقرير ديوان الرقابة المالية يبين بعض وليس كل شيء في مسببات الخسارة، وكذلك شركة أخرى لم يقس إنتاجها فماذا قدمت خلال هذه السنوات؟ وكم كلفتها وكلفة موظفيها؟ شركة (....) هي الأخرى، كم تبلغ قيمة الغاز الذي يحرق لديها سنوياً؟ وهل مصانع الشركة تستوعب كمية الغاز المستخرج؟ ولا ننسى شركة (....) التي يتم دعمها سنوياً بمئات الملايين من الدنانير من ميزانية الدولة، شركة لاتزال أبواب التوظيف والترقيات مفتوحة فيها، ورواتب وعلاوات وامتيازات خيالية لموظفيها، جميعها شركات يمكن أن تكون مصدراً للدخل القومي، فهل تم إعادة النظر في جدواها وعدم جدواها، في ظل ميزانية دولة تتراجع إيراداتها، وتتضخم ديونها ويرتفع عجزها.
ونعود إلى علاوات من نواب وشوريين فهل هم بالفعل يستحقون بعض العلاوات مثل علاوة التمثيل، وتقاعد يتطلب سنوياً ميزانية ضخمة؟ وكذلك بالنسبة لمصاريف دوراتهم وجولاتهم الاستطلاعية، جميعها أمور تحتاج إلى المصارحة والشفافية، لأنه من العيب أن يقف النائب وينتقد الدولة في رفعها للدعم عن اللحوم ولا يتقدم بحلول بديلة، خاصة عندما تكون لديهم لجان اقتصادية وخدمية ومالية، وغيرها من اللجان فأين دراساتهم وحلولهم، أو أن الحل ينتهي عندما يقف النائب ويكيل التهم إلى الحكومة ثم يجلس بعدها ويشرب له كأس ماء بارد، ثم ينشر مقطع التسجيل كبراءة ذمة أمام جماهيره! وكذلك هم الشوريون، نعم كان عليهم أن يقدموا للدولة دراسة فيها حلول وبدائل، فلديهم تقرير رقابة مالية يوضح أوجه البذخ والفساد، فمن منهم مرة أشار إلى البذخ في ميزانية إحدى الشركات، وأوجه الصرف لميزانيتها السنوية، من منهم قام بدراسة ضريبة الـ10 دنانير على العامل وتأثيرها الإيجابي أو السلبي على تحفيز الاستثمار، من منهم قام بالمساءلة عن البرامج التي تدعمها تلك الشركة، وهل هي ضرورية، وهل ستساهم في دعم الاقتصاد، وخاصة في ظل اقتصاد يتراجع دون أن يكون هناك أثر لضريبة العامل التي لم تستفد منها برامج الدولة الخدمية والتنموية التي تقدمها للمواطنين والأجانب، وكم ارتفعت نسبة الأجانب في البحرين منذ تأسيس هيئة سوق العمل؟ وما تأثيرهم على اقتصاد البلاد؟
المجال ليس هنا للبحث والتحليل في إيجاد حلول، فهذا يحتاج إلى خبراء في الاقتصاد يريدون بالفعل إخراج الدولة من الأزمة، وما ذكر هنا ما هو إلا مجرد تساؤلات تدور في عقل مواطن يرى بنظرته المحدودة أن هناك إمكانيات كبيرة تؤهل الدولة وبسرعة للخروج من الأزمة الاقتصادية، لأن البحرين لديها بنية تحتية قوية، ولديها المقومات التي لو تم توظيفها في مكانها بالتأكيد سيكون لها مردود فعال، البدائل موجودة لدعم الاقتصاد ومجالات كثيرة يمكن التوفير منها، مئات الملايين من الدنانير، فقط المسألة تحتاج إلى إعادة نظر ومصارحة وشفافية وواقعية.
شعب البحرين شعب واعٍ ويقدر الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، خدمات ومصالح كثيرة لا ينكرها إلا جاحد، فمن خدمات طبية سخية لأبعد الحدود لا تقدمها أي دولة خليجية لمواطنيها حتى الغنية منها، إلى تعليم متطور ومجاني، ودعم للسلع الغذائية وغيرها من الخدمات، قد تمر الدولة اليوم بأزمة، وفي هذه الحالة، يجب على المواطن الصبر، ويجب على المسؤولين البحث في كيفية إعادة النظر في أوجه الصرف غير الضرورية، وإعادة النظر في بعض الشركات، ومنها عملية الدمج، ومنها تطوير الصناعة وتقليل المصروفات، ومنها شركات خاسرة، يجب إعادة النظر في هيكلها التنظيمي، والنظر في علاوات الموظفين، والترقيات الخيالية، التي تحدث في إحدى الشركات الكبيرة على سبيل المثال.
البحرين دولة شهد لها التاريخ بأنها كانت في طليعة الدول المتقدمة اقتصادياً في الصناعة النفطية والطيران والسياحة، فقط القضية تحتاج إعادة نظر وصحوة ضمير من المسؤولين عن هذه الشركات والمؤسسات، فالوضع لا يتحمل المجاملة، ولا يمكن أن يترك الاقتصاد، دون خطة دورية لمراجعة جدوى القرارات الاقتصادية، وذلك حين يكون فيها من قرارات محبطة للاستثمار المحلي وطاردة للاستثمار الأجنبي، فقط «إعادة نظر» وقرارات حاسمة وتنفيذ دون مجاملات، وسينتعش الاقتصاد وينتهي العجز.