الرأي

كاد «الأستاذ عباس» أن يكون رسولاً

كاد «الأستاذ عباس» أن يكون رسولاً









في معرض الكتاب الدولي وأثناء جلوسي للنقاش مع «أبو هيثم» صاحب إحدى دور النشر والتوزيع البحرينية مر رجل متوسط العمر تبدو عليه سمات الأدب الجم، وسأل أبا هيثم بابتسامة لطيفة: كيف حال هيثم؟ فأجابه: بخير والحمد لله ويسلم عليك كثيراً، فابتسم الرجل في رضا وخجل وقال: أبلغه تحياتي وسلامي. وبعد ذهاب الرجل، قال لي «أبو هيثم» مبتسماً، هذا هو الأستاذ عباس «معلم الفصل» الذي درس ابني هيثم في الحلقة الأولى من المرحلة الابتدائية، وهيثم اليوم يدرس الإعلام في السنة الثالثة في جامعة البحرين، وسأحكي لك قصته الطريفة.
يحدثني أبو هيثم فيقول: في اليوم الذي تم فيه إعلان نتائج الثانوية العامة والذي تخرج فيه ابني هيثم رن هاتف المنزل فأجابت زوجتي فحادثها رجل طلب منها أن يتحدث مع «أبي هيثم». وحين كلمته سألني هل أنت الأخ «....»، فقلت له نعم: فقالي لي: هل تخرج ابنك هيثم؟ فاستناداً إلى حساباتي يفترض أن يكون قد أتم السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، وأحببت أن أطمئن أنه قد أنهاها بنجاح. فسأله أبو هيثم متعجباً: ومن حضرتك؟!! فأجابه أنا الأستاذ عباس الذي درس هيثم في الصف الأول الابتدائي وفي الحلقة الأولى في مدرسة «....». يقول لي أبوهيثم أنه كان مندهشاً من الاتصال فبدأ هو بدوره يطرح الأسئلة. قال أبو هيثم للأستاذ عباس نعم تخرج هيثم هذا العام والحمد لله، ولكن لماذا تتصل وتسأل عنه؟!! فأجاب الأستاذ عباس: أنا أتابع طلبتي منذ سنوات طويلة وأحب أن أطمئن على مستقبلهم وخصوصاً إنهاءهم التعليم النظامي كاملاً. ثم سأله أبو هيثم: وكيف عرفت رقم هاتف المنزل، لقد غيرنا موقع سكننا ثلاث مرات منذ كان هيثم في الصف الأول، وتغير معها رقم هاتف المنزل. فأجاب الأستاذ عباس: اتصلت بشركة الاتصالات وسألت عن رقم الهاتف المنزلي المسجل باسمك والحمد لله أني عثرت عليه.
قصة عجيبة فعلاً، ومعلم مخلص بحق. يقول لي أبو هيثم إن الأستاذ عباس أستاذ محبوب بين جميع طلبته الذين درسهم وإن له شعبية واسعة بينهم تؤهله لأن يفوز في انتخابات مجلس النواب بكل بساطة. كنت مذهولة من القصة فعلاً وأسفت أني لم أعرف قصته إلا بعد أن غادر موقع الدار التي كنت أجلس بها، فمعلم مثله يستحق أن تجلس معه وتناقشه في قيمه التربوية والإنسانية التي جعلته يمارس السلوك الرفيع هذا سنوات طويلة بحب ورضا دون ملل أو توقف. ولم أتصور أن معلماً يحتفظ بسجلات طلابه ويتابعهم ليتأكد من تخرجهم. كان المعلم المخلص والجاد في نظري هو المعلم الذي يتمكن من متابعة تطور تحصيل طلبته وتطور نموهم الشخصي في الفصل الدراسي أو العام الدراسي الذي يتولى عملية تدريسهم فيه. لكن الأستاذ عباس كان المعلم الإنسان الذي يتابع استقامة مسيرة طلابه وينشغل بمآل مستقبلهم، وهذا المعلم عملة نادرة وأقرب المعلمين لصفات الرسل.
في اليوم العالمي للمعلم، نهنئ جميع المعلمين ونشد على أياديهم ونحيي جهدهم وإنجازاتهم ونتمنى أن يكون في الميدان ألف معلم مثل الأستاذ عباس يتجاوز في إحساسه بالمسؤولية غرفة الصف وأسوار المدرسة، إلى فضاء الأعوام التي تمر، ولا ينفصل عن طلابه.