الرأي

مسؤولون تعايشوا مع «الفضيحة»!

اتجــاهـــات



قبل نهاية هذا العام، وكما هي العادة السنوية، ستصدر نسخة جديدة من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية تتضمن «أحدث» و»آخر» التجاوزات الإدارية والمالية.
التقرير هو الثاني عشر في سلسلة التقارير التي صدرت منذ إنشاء الديوان، هذا إن لم أخطئ في العدد باعتبار أن «حسبتنا» ضاعت للتقارير كون مصير كل نسخة يتشابه مع سابقتها، إما بالوضع على الرف، أو في الأدراج، أو بالحفظ وتقييد المخالفات العديدة الموجودة «ضد مجهول».
تذكرت التقرير بسبب حديث خاطف مع بعض الأصدقاء، حين أشار أحدهم إلى تشدد بعض الوزارات والقطاعات الحكومية في آليات معنية بالإنفاق المالي، وأنهم يفعلون ذلك بسبب «قلقلهم» و»حرصهم» ألا تسجل عليهم ملاحظات من قبل الديوان.
لكن رد أحدهم كان سريعاً مفحماً، حين قال: «بل القلق والحرص كان سابقاً حرصاً لتجنب الفضيحة المجتمعية التي تسببها ملاحظات الديوان في التقرير لبعض المسؤولين والقطاعات حين يشار لهدر مالي كبير خطير، أو استهتار إداري غير مقبول، خاصة وأن البحرين بلد صغير في الحجم وعدد السكان، بالتالي أي معلومة تكتب في التقرير باختلاف طريقة وأسلوب صياغتها التقريرية أو الخبرية، فإن الناس تعرف المقصود على الفور، وهو الذي تطاله الفضيحة، كونه مثالاً سيئاً على الإدارة».
زبدة قوله، أنه في السابق كان قلق بعض المسؤولين بشأن التقارير من «الفضيحة»، لكن هذا القلق تلاشى لدى كثيرين الآن، بل حل محله نوع من «التفاخر» لدى البعض، بأن «مناقبه» و»إبداعاته» الإدارية والمالية تذكر وتوثق بالنص والأرقام، ورغم ذلك لا تطاله المساءلة ولا المحاسبة ولا المحاكمة ولا حتى الإقالة، بل ما يطاله هو الذكر للتقرير ونشر لبعض جزيئاته ليوم أو اثنين، أسبوع بالأكثر، وبعدها الصحافة سيتوزع تركيزها على عمليات أخرى، النواب سيسكتون، والناس ستنسى، و»يا دار مادخلك شر»!
هذا واقع أليم للأسف ولا نبالغ، إذ أقلها قارنوا بين حجم ما نشر إعلامياً وما صدر عن النواب «ولو بغرض الشو» بشأن تقرير ديوان الرقابة في العام الماضي، وبين حجم التعاطي الإعلامي ومساحة التغطية و»اللعلعة» البرلمانية في العام الذي سبقه. ستجدون تناقصاً رهيباً في مدى الاهتمام بالتقرير، وأن التعاطي قل، وكأنما «النمط» يوحي أنه لربما يأتي يوم في المستقبل، يصدر فيه تقرير الرقابة المالية والإدارية دون أن ينتبه الناس أو النواب حتى لصدوره.
المصيبة هنا، إن أصبح بالفعل بعض المسؤولين لا يهتمون بأدائهم الإداري وتخطيطهم المالي وتجاوزات قطاعاته، إن باتوا ضيوفاً دائمين على تقرير ديوان الرقابة، لا تهمهم الإشارة لسوء الأداء وبالأرقام المثبتة والوقائع الإدارية المسجلة وعلى الملأ وفي تقرير يقرؤه الناس ويسلم قبلها لقيادة البلاد والنواب الذين يملكون أدوات الاستجواب وطرح الثقة. حينما يتحول الشعور المنطقي من خجل وتوار عن أعين الناس بسبب تسجيل وإعلان وتوثيق التجاوزات الإدارية والمخالفات المالية التي بعضها قد يطيح برؤوس، إلى شعور «عادي» جداً، بل إلى تفاخر بأنه مهما كتب وسجل ووثق، ماذا سيغير من الواقع؟! ماذا سيحصل بناء على ذلك؟! حينها، هذه كارثة ولا وصف آخر لها. بالنسبة لهم هي زوبعة في فنجان، فترة زمنية ليستعرض النواب، ولتمارس الصحافة نقداً بأسلوب «التحلطم» فاقدة الأمل لأية إجراءات بدليل أن أغلب ما ينادى به هو «التوسل» لتطبيق القانون في دولة المؤسسات والقانون وبعدها ينتهي الأمر.
المؤلم، أننا لم نستفد لأكثر من عقد من هذه التقارير وما تتضمنه في عملية الإصلاح والتصحيح. مؤلم أنها باتت تصدر وقناعة الناس راسخة بألا شيء سيترتب على صدورها، إذ حتى المفضوحين بسوء عملهم وإدارتهم باتت لا تهمهم الفضيحة ولا يكترثون بها.
هذا التقرير تعبنا ونحن نكتب عنه، والمؤسف أننا لم نستفد منه الاستفادة العظمى، إذ كان بالإمكان أن يكون أساساً لحراك تصحيحي إصلاحي يجعل واقع القطاع المؤسساتي الرسمي للدولة في حال أفضل بكثير وبمراحل مما نحن عليه. ولهذا حديث آخر.