الرأي

تحديان أمام الدولة البحرينية..!

أبيــض وأســود







إن كان هناك من يرى الصورة الحقيقية للواقع البحريني، فإنه من دون شك سيشخص وضع الدولة البحرينية على أمرين يشكلان تحدياً أمامها على الأقل في الوقت الراهن، الأول هو الإرهاب الإيراني بأياد بحرينية خائنة. والثاني هو تحدي الاقتصاد والتجارة، وفتح الأسواق، وإقامة المشاريع التي ترفد الاقتصاد الوطني وتساهم في زيادة الناتج العام للدولة، وتوفر فرص عمل للمواطنين، وتقلل الاعتماد على النفط.
هذا إذا استبعدنا تحدياً آخر قوياً وشبحاً مخيفاً، وهو إهدار المال العام والفساد الإداري والمالي. من المهم جداً اليوم أن نزرع في عقول الشباب من الجنسين أن عليهم التوجه إلى إقامة مشاريعهم الخاصة بالتعاون مع «تمكين» و»بنك التنمية»، والمؤسسات التي تدعم هذه المشاريع بالدولة، خيار الوظيفة الحكومية يجب أن يقل وينخفض، فلن تستطيع الدولة أن توظف كل الخريجين، من هنا فإن تحدي إقامة منطقة كبيرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو أحياناً ما تسمى بمتناهية الصغر، يجب أن يكون عنوان المرحلة القادمة.
مع واقع رفع الدعم عن اللحوم والغذاء، وما سيتبعه من إجراءات لرفع الدعم عن السلع الأخرى «والبرلمان لا حول له ولا قوة بل أصبح متفرجاً مثل المواطن»، فإن هناك «هيجان» للأسعار سيطال الأسواق، وهذا سيشكل عبئاً مالياً كبيراً على المواطن، وهذا لا يحسب حسابه البعض، فدائماً ما يكون اللعب في قوت الناس خطراً جداً، وقد يفجر أزمات نحن لسنا بحاجة إليها أصلاً، في ظل كل هذه المتغيرات في المنطقة.
ما أفصح عنه مسؤول كبير في وزارة المالية قبل فترة من أن مداخيل الدولة أقل من 400 مليون دينار كان محبطاً جداً، بل من المخجل أن يكون هذا الرقم هو مدخول «الدولة بأكملها»، هذا يظهر أن هناك مداخيل قد تكون مفقودة، ويظهر أيضاً أن هناك عجزاً في تنمية إيرادات الدولة، وعجزاً كبيراً في تنمية الاقتصاد والتجارة، وفتح الأسواق وتسهيل العمل التجاري، وبالتالي تكون النتيجة هي إيرادات ضعيفة ومحبطة جداً كتلك التي أعلن عنها مسؤول بالمالية والتي أثارت الناس كثيراً..!
المطار والموانئ يجب أن تدر مدخولاً كبيراً للدولة «وهذا ما نراه يحدث في دبي وأبوظبي والدوحة»، ومازلنا ننتظر توسعة المطار، وقد تأخرنا كثيراً في ذلك وهذا يلقي بظلاله السلبية على الاقتصاد والتنمية وحركة المسافرين والبضائع، والشحن، ومسافري التزانزيت.
بالمقابل فإن الدولة حتى اليوم «ومع انخفاض أسعار النفط»، لم توجد صناعة حقيقية للسياحة، ونحن نتوسط الخليج، لكننا لا نضخ أموالاً لإقامة مشاريع سياحية عملاقة تحاكي رغبات السائح الخليجي، فهو يريد أن يأتي إلى البحرين، لكنه ينصدم من الواقع ومن قلة الخيارات «مجمعان تجاريان، وبعض المرافق في جزر أمواج»..!!
فلا سواحل بالعاصمة مفتوحة «رغم أننا دولة جزرية»، ولا مشاريع تلبي رغبات الأسر والأطفال والكبار، وبالتالي تصبح الوجهة إلى الدوحة أو دبي، الدولة تضع ملايين كثيرة في أمور ربما يمكن تأجيلها، أو ملايين في غير مكانها، بينما لا نضع ملايين من أجل إقامة مشاريع سياحية تجعل البحرين هي الأقرب للسائح الخليجي، وهي الوجهة الأولى له.
انخفاض أسعار النفط ألا يجعلكم ترون الصورة؟
كثيراً ما قلنا إن دولاً كثيرة ليس لديها نفط، ولا غاز «حتى الغاز نضب»، ولكنْ لديها اقتصاد قوي يقوم على السياحة وفتح البلاد والسواحل أمام المستثمرين وأمام الناس.
بريطانيا، تايلند، فرنسا، المغرب، تركيا، ماليزيا، إسبانيا، كلها دول ليس بها نفط، لكن بها صناعة سياحة حقيقية، وبها مقومات تجذب السائح من المطار إلى تأجير الدرجات الهوائية على السواحل.
أعتقد أن علينا ترتيب الأولويات، الملايين التي توضع في مكان خاطئ، أو نكتشفها في تقرير ديوان الرقابة المالية، يجب أن توظف لصناعة السياحة، وإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأن تجعل البحرين وجهة سياحية مفضلة لكل أهل الخليج.
أعود إلى التحدي الآخر، وهو تحدي الإرهاب، فما يتم اكتشافه مؤخراً من أماكن تخزين للأسلحة وللتدريبات يتوجب على الدولة أن تحزم أمرها في موضوع تمشيط أماكن الإرهاب داراً داراً، بيتاً بيتاً، مزرعة مزرعة، مقبرة مقبرة، «حضرة حضرة.. حضرة صيد السمك»، أماكن دينية، كلها أوكار للإرهاب وتخزين للأسلحة.
بح صوتنا ونحن نطالب بذلك ونشدد على أن هناك أموراً كثيرة غير مكتشفة، وهناك مخازن سلاح وورش لصناعة الأسلحة، لكن البعض كان يتهاون مع ما نطرح.
الإرهاب هو القاتل الأول للاقتصاد والتجارة، وإذا سمحت الدولة بتمدده أكثر، دون أن تكون هناك قرارات صارمة حازمة نافذة، فإن الإرهاب لن يتوقف، وسيدمر ما تبقى من اقتصاد.
التجارة والاقتصاد والسياحة كلها وجميعها تتطلب أن يكون هناك أمن في البلاد، ونحن مع كامل احترامي للإجراءات الأخيرة ينقصنا القرار الحازم النافذ القوي والصارم، ومازال القرار متردداً، ربما إلى حين وقوع الكارثة.
عدم تطبيق شرع الله مع القاتل يشجع الإرهابيين على الانخراط في الإرهاب، فهم يعرفون النهاية والنتيجة، لذلك لا يكترثون إن تم القبض عليهم، وهذا يجب أن يعالج سريعاً.
الإرهاب يلعب لعبته معنا، ونحن نتفرج، يضرب ويقتل رجال الأمن، ثم يختفي قليلاً، ثم يعود ويضرب ويقتل مجدداً، وهكذا، ونحن نتفرج على كل هذا المشهد، حتى رجل الشارع البسيط أصبح يخبرك بذلك..!
إذا كانت لدى الدولة اليوم أولويات وإعادة ترتيب للبيت، فإن أول هذه الأولويات القضاء على الإرهاب، ولا يجب التهاون في ذلك. الأمر الآخر هو أن نشجع الشباب على إقامة مشاريعهم الخاصة، وأن تقوم الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص بإقامة مشاريع صناعية كبيرة.
الأمر الهام الآخر هو أن نفكر في أن السياحة بإمكانها أن تحل محل النفط، لكن لن يكون ذلك بالتمني، إلا إذا وضعت الدراسات والإستراتيجيات، وخصصت الميزانيات لإقامة مشاريع سياحية جاذبة للخليجيين تحديداً «وليس مشاريع سياحية أرستقراطية»، مع ضرورة فتح البحر في العاصمة للناس وللمشاريع السياحية والاستثمارية.
هذه التحديات تحتاج قرارات سريعة وقوية ونافذة وعدم التأجيل، فالوقت مكلف جداً، وقد كلفنا كثيراً في السابق حتى أصبح هذا حالنا مع انخفاض النفط..!