الرأي

مساحة للعيد

مساحة للعيد








«1»
هذا العيد ليس لنا.. هذا العيد قلوبنا ليست معنا.. قلوبنا هناك.. فرحتنا هناك.. جنودنا البواسل في اليمن.. عيدكم مبارك.
قلوبنا معكم ودعاؤنا نحمله إليكم.. وأرواحنا المحبة لكم ترافقكم أينما كنتم ومهما كانت ظروفكم.. أنتم هناك بعيدون عن دياركم وأرضكم.. ولكن في القلب هنا مسكنكم ووطنكم.. أنتم معنا هذا العيد بذكركم الدائم والدعاء لكم.
يا بعيدين عن الأوطان، يا قريبين من الوجدان، كل عام وأنتم في حفظ الرحمن، عسى الله ينصركم ويحفظكم.
«2»
العيد وإن كان فترة فهو فرحة.. فرحة لتجديد الكثير من المشاعر الإنسانية ومد جسور التواصل مع من تشغلهم الحياة عنا وتشغلنا عنهم.. لمن انقطعت أخبارهم عنا ولم تعد هناك فرص للتواصل معهم أو مناسبة لذلك.. لربما يكون العيد فرصة للتسامح أيضاً وإيصال رسائل تحمل المشاعر الطيبة والأمنيات السعيدة لمن ساد الاختلاف بينكم وبينهم.. رسالة خفية بطريقة غير مباشرة لأن تقول له «أنت أخي / أختي في الإسلام وأود أن أشاركك فرحة العيد التي تعد مناسبة إسلامية تجمعنا بالأمنيات الطيبة لك وبالسعادة فيه».
العيد فرصة لإزالة غمامة الدنيا وإيقاف مشاغلها التي لا تنتهي بضعة أيام.. العيد محطة للتنفس بشكل مغاير عن الروتين اليومي لأيامنا المزحومة وجداولنا المملوءة بالكثير من الأمور البعيدة عن زهوة العيد.. للتأمل في زوايا جميلة من الدنيا قد لا تلحظها في حياتك اليومية المعتادة.
«3»
كل إنسان له عيد خاص به! هناك من يكون عيد دنياه قربه من أحبابه وأهله.. هناك من يرى العيد يتجسد كله في شخص واحد فقط يسكن قلبه! هناك من يكون العيد بداخله مساحات شاسعة من الحب للجميع.. كذلك لكل إنسان «مشاعر خاصة» به في العيد وإن تشابهت طقوس برنامجه في العيد مع الآخرين.. هناك من تستيقظ مشاعره خلال العيد بذكرى لأناس كانوا يشاركونه العيد وفقدهم أو رحلوا من الدنيا.. وهناك من تزداد مشاعره دفئاً خلال العيد لاقترابه من الكثير الذين قد لا يحدث أن يراهم بشكل دائم أو متكرر.
«4»

يقال إن البعض يأتي إلى هذه الدنيا وفي فمه ملعقة من الذهب كإشارة إلى أنه يولد وهو على درجة من الغنى والترف.. لكن الكثير منا قد لا يدرك.. إنه يأتي إلى هذه الدنيا ولديه في كل عيد يمر به «عيديه» من الله يمنحها له.. هي نعمة وجود والديه معه.. الجنة ليست تحت أقدام الأمهات وعند الآباء فحسب.. الجنة هي وجودهم معك في هذه الدنيا وفي كل عيد! فليحرص كل منا على التمسك بهذه العيدية الخاصة به من الله والعناية بها.
«5»
«عيد زمان»، في زمن راح الطيبون.. كانت «الأمهات» يتفنن في شراء الأقمشة «الخلق» ذات النوع الجيد ويخبئونها.. كانوا يقومون بخياطة ثلاثة فساتين لكل بنت «لثلاثة أيام العيد»، ولا يخبرون أي أحد من الجيران والصديقات عن تفاصيل ألوانها وشكلها حتى تكون مفاجأة وحتى تكون «بناتهن» مميزات في لباسهن المختلف عن الأخريات.. وقبل يوم العيد بيوم، وكان يسمى يوم النشر، كانوا يقومون بنشر «علم» عند منازلهن عبارة عن «ثوب شعبي جديد من الكورار» يوضع على «خطره» أي «يريده» لوح كبير خشبي «يقومون بإلباسه الثوب كإشارة ترحيب بقدوم العيد» العلم من يراه يفهم أن غداً سيكون العيد».. كان الناس يتفننون في ملابسهم خلال الأيام الثلاثة من العيد.. وكان الناس يستبشرون بقدوم العيد من خلال شم رائحة الأرز (العيش) الذي يطبخ من الساعة التاسعة أو العاشرة صباحاً حيث كانوا يتناولون الغداء مبكراً جداً وأساس غدائهم يوم العيد يكون الأرز واللحم!
العيد كان يبدأ مع إطلاق المدفع حيث يخرج الأطفال للتجول في الأحياء ودخول المنازل للمعايدة ونيل العيدية وقيل سابقاً كانت بعض النساء الكبار في السن أيضاً يقمن «بالمعايدة ودخول المنازل مع الأطفال ونيل العيدية».. العيد للناس في ذلك الزمن الجميل كان بالنسبة لهم في وقت لم تكن للمجمعات أو الحدائق أي وجود فيه، هو التجول بين منازل الأهل والأصدقاء فيما الصغار كانوا يجدون في العيد مناسبة للعب مع أطفال الأهل والأصدقاء.. كانت عيادي الأطفال التي يظلون من الصبح إلى فترة المغرب يجمعونها كلها تمنح للأم لأخذها.. في فترة العصر كان يأتي بعض ممن يملكون عربة ألعاب متنقلة في الأحياء كي يتوجه الأطفال إليهم ويلعبوا مقابل مبلغ زهيد من المال.. كانت العربة تحوي عدداً من السلال التي يوضع فيها الطفل الصغير وتدور فيه فيما صاحب العربة يدفعها بقدمه لكي تسير وتدور بالطفل.. كذلك في فترة العصر كان الأهالي يخرجون لمطالعة العرضة التي تقام عادة في ساحات الفرجان.. في فرجان المحرق العتيقة كان من المعروف أن العيد يزهو بعرضة «أهل عمان» الذين كانوا يقومون أول يوم العيد خلال فترة العصر بالتجمع وأداء «الرزيف العماني».. كانت روائح الفرجان التي بيوتها متلاصقة وأبوابها مفتوحة على بعض لمن يمر بها مملوءة بالروائح الزكية للبخور والعود الممزوجة بروائح الأرز والقهوة.. المنازل كانت مفتوحة على بعضها البعض، كان «قدوعها» القهوة والرهش والزلابية والحلوى والكثير من الأكلات الشعبية الجميلة.