الرأي

حكومة مصغرة.. لإنجازات كبيرة

ورق أبيض


فور صدور الأمر الملكي بتشكيل «الحكومة المصغرة» للتعامل مع تأثيرات الأوضاع المالية في المملكة بسبب تدني أسعار النفط، تداول كثيرون من النشطاء تحليلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ودخلت بعض النخب السياسية والمهتمين بالشأن العام على الخط للإدلاء بآرائهم وتصوراتهم حول القرار الملكي.
وبدا من الواضح أن هناك قصوراً لدى بعض هذه النخب في فهم طبيعة الأمر، ما يجعل تحليلاتهم تخرج عن سياق مراد بالأمر الملكي وهو التعامل مع تداعيات أزمة عالمية بسبب انخفاض أسعار النفط، إلى مرحلة وصول هؤلاء المنظرين لمرحلة «الشطح» و»التخرصات» التي لا أساس لها من الصحة، وهو ما يترك الشارع حائراً في أن يصدق تلك التحليلات أو يعارضها. هذا عدا ما تداوله بعض أقطاب «المعارضة» في الداخل والخارج من أقاويل ومزاعم، وصل بعضها الى حدود «الأحلام والتمنيات» ومحاولة إشعال فتنة بين أبناء الوطن الواحد، وهي بالتأكيد أحلام لا تخرج عن سياق ما تم التخطيط له ومحاولة تنفيذه طوال العقود الماضية بمحاولة الانقلاب على الحكم.
وعلى كلا الجانبين، المعارض والمؤيد، تجلت أبعاد كارثة سياسية وفضيحة من العيار الثقيل، حيث تم خلط مصطلحات سياسية مثل (حكومة مصغرة) بأخرى مثل (حكومة ظل)؛ وهو خلط يتحمل الجزء الأكبر من أبعاد المشكلة السياسية في البحرين المتلخصة في ترديد مصطلحات دون فهم معانيها والمطالبة بشعارات دون استيعاب مضامينها.
وهي للأمانة علة فهمتها القيادة السياسية للبحرين منذ بداية المشروع الإصلاحي، وبدت واضحة في كثير من الشعارات والحوارات وحتى النزاعات التي أدارها (متفذلكون) ظنوا أن قيادة حزب أو فصيل أو عدد من الأفراد في الشارع يعني أنهم فهموا السياسة وأصبحوا شيوخها وفقهاءها، فلم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء البحث والمعرفة والتعلم، وما أن احتكوا بالعالم حتى فهم كثيرون أن الشعارات أكبر من حامليها بكثير.
«الحكومة المصغرة»، وحسب التعريفات السياسية، هي حكومة تنشأ لفترة زمنية محددة بعدد محدود من الوزراء (المعنيين) وتمتاز بالديناميكية وسرعة التحرك لمواجهة ظروف أو أزمة (محددة)، وعادة تكون من الوزارات ذات الاختصاص، وتعني بحل المشكلة التي أنشئت من أجلها مع منحها صلاحيات تنفيذية واسعة، كتلك التي تنشئها الدول لمواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.. إلخ. وبعيداً عن كل ما قيل وسيقال؛ فهذا باختصار هو المفهوم الواضح لعمل الحكومة المصغرة، إلى أن يصدر أمر ملكي آخر يوضح التفاصيل والاختصاصات والمهام المنوطة بهذه الحكومة، وهو بكل تأكيد بعيداً عما ذهب إليه البعض، من حيث محاولات الإيهام بوجود خلافات سياسية أو غيره، حيث يبدو أن البعض لم يع خطورة تدني أسعار النفط على دول ذات اقتصادات كبرى فكيف بدول محدودة الموارد، وأن ماذهب إليه الحالمون يعاكس ما أثبته التاريخ القديم والحديث للبحرين وحكامها الذين يحسب لهم، ضمن جملة ما يحسب، حكمتهم وحسن تصرفهم الذي كان بعد الله تعالى السبب في صمود دولة صغيرة كالبحرين أمام تحديات جسام داخلياً وإقليمياً ودولياً.
فالبحرين، كما دول الإقليم، تمر الآن بظروف دقيقة وتحديات سياسية واقتصادية وأمنية، مما يستدعى وضع خطط وبرامج قادرة على تجاوز هذه الأزمات وبأقل الخسائر، فمكافحة الإرهاب يلقي بظلاله على الساحة الأمنية الداخلية منذ خمس سنوات مؤثراً بالتالي على الأوضاع السياسية والاقتصادية، خصوصاً في ظل الدعم الكبير الذي قدمته طهران وحليفاتها للجماعات المتطرفة والتطور الكبير الذي حدث في مستوى العمليات الإرهابية ونوعية أسلحتها ومستوى تدريب أفرادها.
هذا الأمر يضاف إلى الوضع الإقليمي المتوتر شمالاً في العراق وسوريا وسيطرة الجماعات التكفيرية على مناطق واسعة، وما يحدث في اليمن من محاولات الاختراق الإيرانية جنوباً من خلال دعم مليشيات صالح والحوثي، مما يهدد الأمن القومي لدول الخليج العربي.
إضافة لكل ما سبق التحديات الاقتصادية المترتبة على الانخفاض الكبير في أسعار النفط عالمياً، وهو ما ترك آثاره السلبية على مستويات التنمية، وأوجد عجوزات في ميزانيات دول كبرى.
لكل ذلك، كانت هناك حاجة ملحة لتحرك سريع وفوري قادر على التعامل مع كل تلك القضايا، بما يحفظ المكتسبات المتحققة ويحاول تجاوز الأزمات القائمة بأقل الخسائر وبأسرع وقتٍ ممكن.