الرأي

قادة رقميون من المهرجين والحمقى

نبضات







حذر خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود من مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها تيار «عولمي» يعج بالغث والسمين، في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير مكة المكرمة، في حفل افتتاح مؤتمر مكة المكرمة السادس عشر، الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي تحت عنوان «الشباب المسلم والإعلام الجديد»، جاء فيها «إن الإعلام الجديد بأنماطه وقنواته المتعددة، وسيولة حركته، وانتشاره عبر البث الفضائي الواسع المدى، والهواتف وأجهزة الاتصالات الذكية المتطورة، التي أصبحت في متناول الجميع، قد تسيد الموقف حتى أصبح اللاعب الأول والأخطر تأثيراً في ترسيخ ما يبثه من قيم وقناعات لدى الشباب». وأشارت الكلمة إلى أن «الضالين الحاقدين على الإسلام والمسلمين وجدوا غاياتهم في استقطاب الشباب، واختطاف عقولهم والتغرير بهم عبر الإعلام الجديد».
وفي الوقت الذي تحمل فيه الكلمة السامية استشعار ملكي لتداعيات انتشار وتداول بعض الحسابات الإلكترونية للمتطرفين والمفسدين وخطورتها، وما فيها من تأكيد على أهمية مواجهة ذلك التطرف الإلكتروني المتغلغل إلى عقول الشباب والعابر للحدود الزمانية والمكانية والفكرية، والدور الذي يجب أن تضطلع به كافة المؤسسات العالمية، بما في ذلك الدول العربية والخليجية من أجل حماية ثقافاتها ومكتسباتها ولضمان استقرارها وأمنها، أستحضر واحدة من أهم العبارات التي انتشرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودول أخرى، ألا وهي، «stop making stupid people famous» والتي تعني «توقفوا عن جعل الأغبياء والحمقى مشاهير»، وهو ما يُحمّل أفراد المجتمع بالمقام الأول مسؤولية ذلك العبث الفكري والانحلال الأخلاقي الذي نعيشه في بلداننا.
إن الغباء والحماقة التي تشير إليها العبارة لا تقتصر على المقاطع التافهة الفارغة المعنى وحسب، وإنما تمتد لأشكال مختلفة من الممارسات وأطروحات فكرية شاذة يجب وقفها فوراً، فتوقفوا عن جعل الأغبياء والحمقى مشاهير تعني أيضاً، توقفوا عن جعل المتطرفين شيوخ دين ومفتين، توقفوا عن جعل كل مهرطق وملون للكلمات فيلسوفاً وصاحب فكر خلاّق، توقفوا عن جعل كل من وضع لقباً لنفسه متخصصاً ومرجعاً في مجال ما، وما أكثر ما انتشرت ألقاب مجانية في مجتمعاتنا كناشط ومدرب وباحث من دون علم وخبرة وممارسة، وما أكثر الموسوعيين في عالم الإعلام الاجتماعي!!
يسيئنا تردي العلم، واضمحلال الثقافة، ونلقي باللوم على وزارت التربية والتعليم والمناهج الدراسية، ونهاجم رجال الدين المعتدلين من الثقات لمجرد مخالفة فتاواهم أهواء البعض من المتطرفين في الفسوق أو في تدين ما أنزل الله به من سلطان، ونتغافل عن دور تلك الحسابات في صناعة التفاهة والسخافة وتسطيح الأمور والتحريض والترويج لأساليب حياة شاذة فارغة المعنى.
يروج للتافه من هو أكثر تفاهة منه، ويروج المتطرف لأمراء التطرف وأسياده، ويسوّق المجتمع لمثل هذه الحسابات والشخصيات حتى صنع منها رموزاً وأعلاماً ومراجع، وأعني بالمجتمع أولياء الأمور والمربين والشباب والمراهقين على السواء، الذين مكنوا هؤلاء القادة الرقميين من قيادة المجتمع وتوجيه الرأي العام، في مختلف القضايا والمسائل والأخلاق، ومن ثم نتوقع الأفضل والأرقى فإذا ارتطمت توقعاتنا بالواقع بدأنا بلعن الثقافة التي يتمتع بها المجتمع وسرعان ما نلجأ للبكاء على أطلال الماضي بلفظة «تغير الزمان»، «نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا.. ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ..ولو نطق الزمان لنا هجانا».
نقف اليوم على أكثر المفاصل إيلاماً في عالم «الإعلام الاجتماعي»، عندما نرصد بالملايين عدد متابعي بعض المهرجين والفارغين، ولا تتجاوز حسابات أخرى ذات أهمية المئات أو بضعة آلاف من المتابعين كحد أقصى، وأعني بالحسابات والشخوص المهمين، المؤلفين والأكاديميين والمتخصصين والمبدعين في مجالات تثري المعرفة وتضيف إليها، فضلاً عن حسابات لمواقع علمية ودراسات حديثة وما شابهها.
تمادينا في تعزيز الشعور بالملل والتذمر على الواقع، وانتقاد المتغيرات التي نشهدها في عالمنا دونما عمل من أجل التغيير أو التأثير، وكان دأب أغلبنا في إشباع الملل، مواد تنحدر في مستواها الثقافي والفكري والأخلاقي يوماً تلو الآخر، نفرغ أنفسنا وعقولنا من القيم والمبادئ، ونتجاوز عن استهلاك الوقت فيما لا قيمة له، معتبرين كل متابعة ذات قيمة وثراء معرفي نوع من التعقيد والخلل النفسي. نستسلم لأفكار المتطرفين في الدين وننساق لزخرف أقوالهم فنضيّع الدنيا والآخرة معاً باسم الدين.
إذا لم يقف المجتمع كله درعاً حصيناً لمواجهة ذلك الفكر المتطرف، والتافه، ولم يضع حداً لصناعة النجوم والمشاهير من المنحدرين، فلا يلومن إلاَّ نفسه.
اختلاج النبض:
عتاب محب للزملاء في مجال التواصل الاجتماعي، أرجو أن يتم تقبله بصدر رحب.. كم آمل لو تكلل جهودكم الجبارة بالتوجيه لنوع المحتوى وعدم الاكتفاء بالترويج لمهارات الاستخدام الأمثل لتلك المواقع وحسب، كثير من المستخدمين بحاجة للضبط، وهي المهمة الأصعب التي يعول بها المجتمع على خبرتكم ونشاطاتكم.. وما لم تحقق جهودكم هدف تنمية الفكر والثقافة والارتقاء بالسلوك والخلق العام، فإنها لا محالة ستكون فيروساً فتاكاً بالمجتمعات أكثر منها سلاحاً لحمايته والذود عنه.