الرأي

.. أحياء لكن لا تشعرون

.. أحياء لكن لا تشعرون



لا تبكونهم فاليوم بدأت حياتهم.. إن الشهيد يعيش يوم مماته
ونحن نتابع تفاصيل مشاهد المراسيم العسكرية الخاصة لاستقبال جثامين شهداء الواجب ودفنهم؛ استحضرنا عدداً من العبارات المؤثرة مثل؛ «الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيراً سيئاً؛ بل هي خلود في موت رائع» «أشرف الموت موت الشهداء».
شهداؤنا الأبطال الذين اختاروا فراق وطنهم الغالي للظفر بوطنهم الأبدي الخالد، أعلى جنات الفردوس بإذن الله، نبارك لقيادتنا العزيزة ولعائلاتهم ولأنفسنا كشعب بحريني نيل مرتبة الشهداء العظيمة التي تلي في الإسلام مرتبة الأنبياء والصديقين، ونشد على يد عوائلهم وذويهم ونشاطرهم المشاعر.
هناك نوع من البشر يظل سعيه طيلة الوقت لتحقيق إنجازات هامة في حياته تعيش معه وتنتهي بموته، وهناك نوع آخر يهتم بإيجاد إنجازات تعيش معه في حياته وتستمر إلى ما بعد مماته، أبطالنا في معركة إعادة الأمل في اليمن اختاروا هذا النهج وكسبوا رهانه، تضحياتهم وتفانيهم ستعيش بيننا وبين تاريخ البحرين إلى ما شاء الله، هم أحياء في ذاكرة التاريخ البحريني، سنستحضرهم في كل موقف ومناسبة وطنية، ولعل تحديد جلالة الملك ليوم الشهيد يأتي لتعزيز هذا الواجب الوطني الذي يطمح كل مواطن مخلص لنيله.
اليوم تختلط في النفس وفي قلب كل خليجي مشاعر متناقضة؛ مشاعر ممتزجة بالعزة والفخر، غير أن شعور الأمل بالنصر واليقين هو الغالب، تدمع العين والقلب مبتهج بأن تدون في سجل معركة اليمن التضحيات البحرينية النفسية التي قدمت خلال هذا المعترك التاريخي الهام للدفاع عن العروبة، قد يكون اليوم الحزن الخليجي والعربي واحداً لكن في الغد القريب نثق بأن النصر والفرح واحد بإذن الله.
من استشهدوا وهم يحاربون أعداء العروبة لا نحزن عليهم، بل نغبطهم ونتمنى نكون مكانهم، فهم ربحوا الدنيا والآخرة، من قدموا حياتهم «فدوة» للعروبة كل العرب اليوم يفتدونهم بالدعاء والذكر الطيب، وإن كابرنا ما يختزن بالقلب من مشاعر تطفو على سطح الروح أحياناً من باب الطبيعة البشرية التي تتألم عندما تفقد جزءاً من كيان شعب وطنها.
شهداؤنا في الجنة وقد بدأت حياتهم هناك، ودماؤهم الزكية وإن جفت من الأرض التي سكبت عليها فلن يجف حبر التاريخ وهو يدون مواقفهم البطولية، قواتنا العربية الشجاعة لن يزيدوا بعد الحادث الغادر إلا قوة وإصراراً وعزيمة للنصر أكثر، إن ما حصل هو دافع قوة للتقدم والاقتصاص، وكما قال سمو الشيخ ناصر لجنود البحرين وهو يشد على أزرهم ويقوي همتهم: «إذا أخذوا منا خمسة كل واحد منكم يأخذ خمسة»، ونضيف؛ بل 50 وألوف.. نريد الثأر ممن اختطف حياتهم وفطر الأفئدة ونثق بأن الثأر سيكون أسواطاً تقتص من قتلتهم.
جعل الله تعالى الجنة درجات وللمجاهدين منها مائة درجة وحياة الشهداء عند ربهم حياة برزخية يكرمهم فيها ربهم بنعيم الجنة، لذلك فمن استشهدوا نحن لم نخسرهم فهم أحياء عند الله يرزقون، ولم يخسروا لأنهم شهداء؛ بل خسر من باع دينه وعروبته وخان أرضه ووطنه.
كنا فور توارد خبر استشهاد الجنود الإماراتيين نقول لكل إماراتي مفجوع بعدد الشهداء؛ ارفعوا رأسكم يا أبناء زايد فقد شرفتم بتضحياتكم اسم الإمارات رحم الله شهداءكم، حتى جاءنا خبر استشهاد خمسة من جنودنا البواسل، لذلك نقول لكل عائلة شهيد؛ ارفعوا رأسكم يا أبناء البحرين فقد شرف أبناؤكم مقامكم في الدنيا والآخرة، فالشهيد يشفع لأهله والشهيد في أعلى مراتب الجنة.
ستشهد أرض اليمن يوماً بالدماء البحرينية الممتزجة بالدماء الإماراتية والسعودية التي تشربتها والتي جاءت للدفاع عن عروبتها، ستشهد أنه على أرضها كان هناك اتحاد خليجي قائم لنجدتها، ستشهد الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية وأرض مكة المكرمة كيف هبت الجيوش العربية لنجدتها وحمايتها والتصدي لمن يحاول غزوها، كما كانت للمملكة العربية السعودية وقفة مشرفة مع البحرين خلال أزمتها الأمنية، ها هم جنود البحرين البواسل برهنوا بالمواقف لا العبارات الإنشائية والتصريحات، كيف هم رجال المواقف والفزعات لا رجال الكلمات! أنت تعرف من معك ومن ضدك لا خلال الرخاء إنما خلال الأزمات وهذه الأزمة قد أسقطت الأقنعة وكشفت الكثير على المستوى الإقليمي والدولي.
شهداؤنا الخمسة يتألم القلب وهو يتابع مشاهد دفنهم ورحيلهم عن الوطن، غير أن ما يثبت النفس ويهدئها وعد الله لنا كمسلمين في آياته الكريمة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين).
شهداؤنا أحياء بيننا بتضحياتهم، وأرواحهم الزكية التي نستلهم منها حب الوطن والإخلاص له والدفاع عنه، الدفاع عن وطننا العربي الكبير من الخليج إلى المحيط، رحم الله أرواح قدمت دماءها فداء للعروبة وإنا لله وإنا إليه راجعون.. (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون).