الرأي

سلمان والحزم في واشنطن

قوات «درع الجزيرة» خطوة للتكامل الخليجي



يعلم كل قارئٍ هضم تاريخ أمريكا بإمعان أن جون فوستر دالاس، وزير خارجيتها في عهد أيزنهاور، كان هو صانع سياستها الخارجية، فقد عاش إيزنهاور على أمجاده بالحرب العالمية الثانية، وصار رئيساً تكريماً لأعماله العسكرية، حيث يلعب الجولف معظم الوقت، وبين الحين والحين تجيء له مكالمة تليفونية فيترك أرض الجولف ويمسح عرقه والناس من حوله تحييه ويمسك سماعة التليفون ويقول: «أوكي..»، أو لا يرد ويقفل الخط. ويكون إقفاله دليل على الرفض، ومن ضمن المكالمات أن تحدث إليه دالاس وكان رد إيزنهاور: «أوكي.. استمر!».
يكمل الكاتب المبدع أنيس منصور في «من أوراق السادات» الرواية.. «أما ما الذي وافق عليه، فهو أن دالاس قال له: إن مصر دولة مفلسة وليست قادرة على تمويل السد العالي.. ومن رأيي ألا نشترك في ذلك، وكان رد إيزنهاور»OK.. Go-Ahead»، وانتهت مكالمة عابرة أدت لتغيير معالم الشرق الأوسط كله! رفضت أمريكا أن تمد مصر بالسلاح ورفضت بناء السد العالي، وأعلنت في بيان دالاس الشهير أن مصر دولة مفلسة. لقد دفع موقف إيزنهاور بتوصية من دالاس جمال عبدالناصر للتوجه شرقاً وبناء السد العالي وتأميم القناة وإقامة علاقات عسكرية وسياسية كانت من مكدرات المزاج الأمريكي والغربي في الشرق الأوسط طوال نصف قرن».
وفي 4 سبتمبر 2015م سيتوجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لواشنطن لمقابلة أوباما، الذي لا يختلف عن إيزنهاور كثيراً، فهو في تقديرنا يعيش على أمجاد أنه الأول في كل شيء؛ فهو أول «أسود» في البيت الأبيض مما دفعه ليكون أول من يعيد العلاقات مع إيران، ثم أول من يعيدها مع كوبا، قبل أن تكون قنوات هذا التغيير في واشنطن نفسها قادرة على استيعاب الخطوة. ونراهن على أن وزير الخارجية جون كيري هو جون فوستر دالاس في عين أوباما، مما يجعلنا لا نشك أن الحزم وهو عنوان عهد سلمان بن عبدالعزيز على كل الأصعدة سيكون حاضراً معه في واشنطن لوقف دالاس الجديد، وقد وضع الكثير من المحللين ما يجري في اليمن وسوريا على قائمة أجندة اللقاء؛ لكننا نعتقد أن تطمينات أوباما لحلفائه الخليجيين في كامب ديفيد، ثم وعود كيري لهم قبل شهر بالضبط بالدوحة هي ما ستتم مناقشته بحزم.
فدمج الأنظمة الدفاعية الإقليمية ضد الصواريخ الباليستية، المسمي بالدرع الصاروخي الخليجي، يجب أن يضم نظام صواريخ (SM-6) الأمريكية الجديدة، لأنه الوحيد الموازن لحصول طهران على صواريخ (S300) التي ستزيل التفوق الجوي الخليجي على إيران، لكون (SM-6) المؤهل لاعتراض كل شي يطير مرتفع أو منخفض بدل الباتريوت.
كما كان من الوعود زيادة عدد المناورات المشتركة؛ وليس أنسب حالياً من إجرائها في مياه حقل الدرة، أما الوعود بتسريع بيع الأسلحة فلا حل لذلك إلا بترقية العلاقات الأمريكية الخليجية لمصاف الدولة المميزة «Major Non-NATO ally» كما هو حال إسرائيل، مما يعني امتلاك حق أخذ السلاح والذخائر وقطع الغيار من مستودعات القوات الأمريكية مباشرة بدل انتظار أوامر التصنيع والتصدير من الشركات، وكل من عمل في القوات المسلحة بدول الخليج يعرف تعقيدات نظام المبيعات (FMS) البائس الذي عانينا منه منذ السبعينات بإيحاءات صهيونية، بل إن حجب بيع المقاتلة «إف-35» للخليج وتسليمها لإسرائيل يتجاوز الحليف المميز، بل إن ما يملكه الخليجيون من مصلحة أمريكية يؤهلهم لمعاهدة دفاع مشترك، ربما ليس مع واشنطن، ولكن مع الكونغرس بعد الولوج إليهم من باب القيم الديمقراطية.