الرأي

شيء من قوة الإيمان

بنــــــــــادر



لا شيء يستطيع أن يقف بينك وحلمك، لا شيء يمكن أن يمنعك عما تريد تحقيقه، لا شيء يقدر أن يبعدك عن الأفكار التي تتحدث بها بينك وبين نفسك، عن المحبة والتسامح وفعل الخير، لكل من يسكن هذه الأرض من بشر وحيوانات وما نظنه جماد.
فالخير دائماً ما يجد له المساحة التي يتحرك بها، حتى لو كانت هذه المساحة محاصرة بشتى أنواع القمع البوليسي، والعنف المقنن.
وعملياًَ عرفنا ونحن في المراهقة، أن الشعراء لا يمكن سجنهم، ولهذا قلنا من يملك شيئاً من المخيلة يستطيع أن يصل المجرات وهو يجلس في مكانه، ولو كان هذا المكان على شكل كهف، وقلنا إن العشاق لا يمكن إيقافهم عن مواصلة الأشواق، وقلنا إن الحالمين سيظلون كما كانوا، يهدمون العالم ويعيدون تشكيله بالصورة التي يرونها، وما أكثر من شاهد ما كانوا يحلمون به في حياتهم، وإن غادر أكثرهم هذا العالم، إلا أن الأحلام تحققت، وتحولت إلى حياة يومية، يمارسونها كأنها جاءت مع ولادتهم. وقبل فترة قصيرة وصلتني رسالة جميلة في برنامج «الواتس آب»، أرسلها الصديق عبدالله العثمان، عن واحدة من الأماني أو الأحلام التي تحققت على أرض الواقع، رغم الظروف السيئة التي كانت تحاصر أبطالها.
يقول د. سعيد حارب نائب رئيس جمعية دبي لتحفيظ القرآن: ممن فاز في جائزة دبي في إحدى السنوات، طفل صغير من إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق، وكان عمره في حدود الثانية عشرة، وكان إتقانه لافتاً للنظر، فسألناه: عن حفظه لكتاب الله، كيف تم؟ ومَن الذي قام بتحفيظه هذا الحفظ المجوَّد المتقن؟ فقال: أبي هو الذي قام بهذا العمل. قلنا: فمن الذي علَّم أباك وحفظه القرآن؟ قال: جدِّي.
فعجبنا لهذا الأمر، وتساءلنا كيف تسنَّى لجدِّك أن يعلم والدك القرآن في سيطرة الاتحاد السوفيتي الملحد الذي كان يعاقب المسلم المرتبط بدينه بالقتل مباشرة.
قال: أخبرني أبي أن جدِّي كان يحمله وهو صغير على «حمار» ويذهب به مسافة بعيدةً خارج القرية ثم يضع عُصابةً على عينيه، ويقود به الحمار، حتى يدخل في مغارة في الجبل تؤِّدي إلى موقع فسيح، وهناك يفك العصابة عن عينيه، ويستخرج من مكان هناك ألواحاً نقشت سور القرآن ويحفظه ما تيسر ثم يعصب عينيه ويعود به إلى المنزل حتى حفظ والدي القرآن الكريم. قلنا له، والعجب يملك نفوسنا: ولماذا كان جَدُّك يعصب عيني والدك؟! قال الفتى: سألنا والدي عن ذلك فقال كان يفعل ذلك خشية أن يقبض النظام الشيوعي ذات يوم على ولده فيعذِّبوه، فيضعف، فيخبرهم بمكان مدرسة التحفيظ السريَّة في تلك المغارة، وهي مدرسة يستخدمها عدد من المسلمين حرصاً على ربط أولادهم بالقرآن الكريم وهم يعيشون في ظل نظام ملحدٍ يقوم في حكمه على الحديد والنار.
هذه الحكاية الواقعية تعلمنا معنى أنك تستطيع أن تكون ما تريد أن تكون، ومعنى أن «الذي في قلبه الصلاة ما تفوته»، ومعنى أن الخير يستطيع أن ينتصر على الشر، مهما كانت قوة هذا الشر وجبروته.
لهذا أقول وأكرر، إن كانت الحياة تمر بمرحلة الليل، فهناك الصباح الذي سيأتي بعد حين، يبدد كل ما جاء به الليل أو إذا كانت هناك ثمة حاجة للرزق، فهناك البحر الذي ينتظر من يذهب إليه، ليأخذ رزقه.
على ما فات لا تحزن، ومن سوء الأحوال لا تقنط، فهناك الخير قادم مع كل ذرة هواء تتحرك في الفضاء.