الرأي

المكون السري للنجاح

بنــــــــــادر





أنا، أنت، الآخر، كلنا نريد أن نكون ناجحين في حياتنا الممتدة بين ظلمة الرحم وظلمة القبر، ولكن أكثرنا لا يعرف كيفية النجاح، رغم أن الجميع ولد بكل إمكانات النجاح، وملك من الأسلحة الكثيرة التي تعينه للتغلب على جميع المحن والظروف والعوائق التي تقف أمامه أو تعترض طريقه.
منذ الصرخة الأولى للإنسان وهو يخرج من بطن أمه، أراه شخصياً كائناً منتصراً، وعظيماً، وسعيداً، وجميلاً، فالولادة هي الانتصار الأول للإنسان، وهو يطل على نور هذه الدنيا.
يقول الأستاذ أبو بكر بن محمد في مقال «أسرار نجاح العظماء»، وقد صادفني في أحد مواقع الإنترنت، عن عناصر النجاح، حيث كما يرى الكاتب أن هذه العناصر المشتركة بين الناجحين مستفادة من خبرات حياتهم، ولعله من سعادة حظي أني منذ عرفت نفسي وأنا أحب الاطلاع على سير الناجحين، وأكثر ما كان يستهويني منذ الصغر الجلوس إلى كبار السن وسماع قصصهم وخبراتهم، لا سيما والدي رحمه الله الذي كان عصامياً وبرز بين كثير من أقرانه، رغم وفاته شابّاً، فلما كبرت وتعلقت بالقراءة كنت أميل أحياناً كثيرة للقراءة في السير الذاتية والذكريات وكتب التراجم والتاريخ، وفي معارض الكتاب كنت إذا وقعت على سيرة ذاتية لأحد العظماء اشتريتها دون تصفح أو تدقيق في محتوياتها على خلاف الموضوعات الأخرى التي أحرص على التدقيق في محتوياتها قبل شرائها، وكثيراً ما كنت أسامر ابن خلكان، وأطرب لتعليقات الذهبي، وأتلذذ بالسياحة مع الطنطاوي في ذكرياته الرائقة، وأحلق مع همة الندوي العالية، وأعجب لمذكرات مالك بن نبي، وغيرهم كثير ممن كتب عن نفسه أو كتب عنه خاصته مثل الفقيه ابن عثيمين، والمحدث الألباني، والأديب محمود شاكر، والإمام ابن باز، عليهم جميعاً رحمة الله وبركاته، وعلى والدينا.
وهذه هدية لشبابنا لأقول لمن يريد النجاح منهم عليكم بهذه العناصر التي أرجو أن ينفعكم الله بها والتي تتمثل في «وضوح الهدف، والمداومة والصبر، وإتقان العمل».
ولا تنسوا بعد ذلك أن تعتنوا بالجانب غير المرئي من أسباب النجاح وهو سلامة الصدر وحب الخير للآخرين، وعليكم أن تبدؤوا بوالديكم وأهليكم، ثم الأقرب فالأقرب، وكلما هيأ الإنسان نفسه للإخلاص لله، وبذل الخير ونفع الناس، كلما أعانه الله وسدده وكان نجاحه أقرب.
وأعظم النجاح أن يحتاج إليك الآخرون ويفتقدونك إذا غبت عنهم ويشعرون بنقص في الحياة أثناء غيابك حيث يصعب على غيرك تعويضهم عن فقدك.
وعن المكون السري للنجاح، ثم مع كل ذلك لاحظت مكوناً آخر لخلطة النجاح التي يتميز بها كل عظيم من العظماء، وهي كالبهارات، التي تميز خلطة أحدهم عن الآخر، فتجد بعضهم يرعى حق والديه، ويبرهما براً عجيباً، يجعلك تعرف أن هذا ما جعله يرتفع عن آخرين مشابهين له، تقدم عليهم مع مساواتهم له في جميع شؤونه. وتجد آخر تقدم من حوله بحسن خلقه، وبذل نفسه للناس ولخدمتهم، وآخر بسلامة صدره، وآخر ببذل ماله ووجاهته، وبعضهم لا تجد في صفاته ما يميزه إلا حب الخير للآخرين وتواضعه. وهكذا في خلطة عجيبة وتمايز فيما بين العظماء في هذا المكون السرّي الذي يجعلهم يتقدمون على أقرانهم الذين يشاركونهم زمانهم واهتماماتهم.
وإذا كان الكاتب قد أهدى هذه الكلمات للشباب، فإنني أزيد عليه بالقول، إنك أنت وحدك من يحقق هذا الإنسان، وحدك من يستطيع أن يكون ما يريد أن يكون، وحدك المسؤول عن حياتك، بالضبط كما إن ليس من يقوم بالأكل عنك، أو الصلاة عنك، أو النوم عنك، أو الحلم عنك، لا أمك ولا أبوك ولا إخوتك، كذلك لن يقوم أحد سواك بتحقيق النجاح غيرك، لهذا عليك الآن، ألا تتعذر بالظروف والمشاكل وتلقي لومك على الآخرين، بأنهم يقفون أمام نجاحك، فهذه أكذوبة على الذات، فالبحر لا يسأل الحارة عن مسار الأمواج، والنخلة التي تملك داخلها الثمر، لا تتعلل بحرارة الصيف، فحرارة الصيف تزيد داخلها لإنضاج الرطب.
إلى الظروف لا تنظر، كن سيد ذاتك، ستكون سيد الظروف.