الرأي

سلوك السائحين العرب في أوروبا.. أعد النظر

سلوك السائحين العرب في أوروبا.. أعد النظر


من المشكلات الثقافية في الوطن العربي التي يشير إليها بعض المفكرين عدم توفر مراكز بحث مختصة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية تجري أبحاثاً مختصة بدراسة الشخصية العربية ومشكلاتها وتحولاتها والتحديات التي تواجهها في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية الحادة التي تمر بالوطن العربي؛ لذلك، وعلى سبيل المثال، سببت موجة التغيير التي أحدثتها أحداث ما سمي بالربيع مفاجآت كثيرة بالسلوكيات الاجتماعية التي رافقتها، خصوصاً مع انفتاح المجال للتعبير عن الرأي بكل حرية. ولكن مع مرور الوقت بدأت تتفشى ظواهر تبين أن ثمة خللاً اجتماعياً في السلوكيات العربية يتعين دراسته وإيجاد سبل لمعالجته.
وقد أحدثت رد بعض الدول الأوروبية ومنها النمسا تأثيراً في الدول العربية، والخليجية خاصة، بعد قرارها بتقليل عدد تأشيرات دخول دول اليورو للسياح العرب. وسبب هذا التوجه كان عدم التزام بعض السياح العرب بالقوانين الاجتماعية والبيئية أثناء تواجدهم في أوروبا مما أثار غضب المواطنين الأوروبيين من السلوكيات العربية، غير المهذبة، تجاه بلدانهم.
ولم يفوت الأوروبيون الفرصة في إثبات صدق ادعائهم؛ فقاموا بتصوير السلوكيات العربية في الأماكن العامة والمتنزهات، ورصدوا مخالفاتهم في عدم المحافظة على النظافة وفي إتلاف النباتات والعبث بالنوافير العامة وعدم ضبط حركة أطفالهم ومشاغباتهم، بل وحتى تعاطي (الشيشة) في الأماكن العامة غير المرخص لهم بذلك. إذ بدت ساحات وحدائق أوروبا في تلك الصور وكأنها مخيمات الصحراء في الدول العربية!!
وفي العقود السابقة، وحتى سنوات قريبة، كانت عقدة الغرب ماتزال مسيطرة على العقلية العربية، بتوهم أن الغرب من أوروبيين وأمريكيين يناصبون العرب والعروبة العداء، وأنهم يغارون من القيم العربية والإسلامية ويتمنون انتشار الفساد والفوضى في دولنا العربية كما هو منتشر في مجتمعاتهم. ولكن الأخطاء العربية، ممزوجة مع بعض النرجسية العربية، فاضت ولم يعد بالإمكان تبريرها الأمر الذي أخذ فيه تقييم العرب العالي لأنفسهم يتراجع قليلاً.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أهم عامل هز ثقة العرب في تساميهم عن الآخرين هو ظهور الجماعات المتطرفة المتكونة من عناصر عربية واستهدافها للعرب أنفسهم وتقديمها صورة سلبية خاطئة عن الإسلام والمسلمين للعالم. ثم تلا ذلك توثيق الدول الأوروبية لعدم التزام السياح العرب بالقوانين المتعارف عليها والثابتة دولياً. أضف إلى ذلك الأخلاقيات المتدنية التي كشفت عنها سلوكيات العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعية (تويتر، فيس بوك، وغيرها) من استخدام الألفاظ البذيئة ونشر الإشاعات وتشويه صورة الآخر. فإن الشخصية العربية صارت تحتاج إلى دراسة التشوهات التي أصابتها نتيجة التهميش والقمع وتقليص الحريات لسنوات طويلة.
أنا شخصياً أرى أن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية كانت إيجابية وستفرض على العرب تعلم القوانين والالتزام بها فرضاً وليس طوعاً إن كانوا يرغبون في التمتع بالسفر إلى أوروبا. فالمرء يحتاج أحياناً أن يجابه بأخطائه وأن يقتنع أن ما يجنيه من إخفاق هو حصاد عمله وسلوكه.