الرأي

الإرهاب ليس مجاناً

نبضات



اعتاد الشارع البحريني ظاهرة حرق الإطارات، حتى أصبحت روتيناً مملاً أوشك على التعايش معه، وبعدما كانت تلاقيه من تفاعل وغضب وتململ عام، كادت الجموع أن تلقي بالظاهرة في دهاليز اللامبالاة، حتى كشف المستور الصادم؛ تقرير نشر أمس الأول في «الوطن» للزميلة سلسبيل وليد، جاءت فيه الكلفة الفعلية لعمليات حرق الإطارات ما يعادل ملايين الدولارات. وبينت في السياق نفسه نقلاً عن مصادر مطلعة ومراقبين آليات احتساب الكلفة وأنها لا يمكن أن تمول ذاتياً، ما يقدم دلالات واضحة على الدعم الخارجي.
عندما نقف على أغلب الفترات والمراحل التي تشتعل فيها البحرين بصفة لافتة خلافاً للاشتعال الروتيني الممل، ونلحظ الترابط الكبير ما بين الخطابات الإيرانية أو رؤوس عملائها في البحرين ندرك تماماً، أن بوصلة الدعم اللوجستي لا يمكن لها إلا أن تتجه لإيران. ولكن الوقوف على كلفة حرق الإطارات فقط، من مجمل الأعمال التخريبية والإرهابية التي تتعرض لها البحرين -منذ اندلاع الثورة الخمينية في إيران وحتى يومنا هذا، ونشاطها في مفاصل تاريخية محددة تكاد تكون المرحلة التي نشهدها أكثرها حدة وتصعيداً وسخاءً في التمويل- يطرح سؤالاً هاماً حول حجم التمويل الإيراني الحقيقي، باعتبار طهران الراعي الرسمي للإرهاب في البحرين فضلاً عن المنطقة ككل.! نتحدث اليوم عن كلفة حرق الإطارات منفردة بمعزل عن مستوى الدعم اللوجستي بالمواد المتفجرة والأسلحة والمواد المستخدمة في صنوف متنوعة من العمليات الإرهابية، فضلاً عن كلفة استئجار البشر.!!
كم هي مخيفة تلك الأرقام؛ عندما تتحدث بلغة الملايين من الدولارات لحرق الإطارات فقط، من كان يظن هذه الكلفة لممارسة «سخيفة» كهذه؟! أيمكن بعد التوصل لهذه الأرقام أن نشكك في دعم التدخلات الإيرانية السافرة في البحرين، والتي تطال أمن المملكة وممتلكاتها ومصير شعبها؟ أيمكن لمواطن بحريني أن يعقل ويتقبل أكذوبة أن تلك التخريبات والعمليات الإرهابية لا تعدو على كونها مشاغبات صبيانية طائشة من مراهقين أغلبهم لا يملكون ثمن كلفة العملية الواحدة حتى كمصروف شهري؟
عندما نصل لنتيجة مفادها أنه لا يمكن لهذه الجماعات التخريبية أن تستمر في عملها من دون تمويل ونستثني أن يكون التمويل ذاتياً، ونتفق على أنه إيراني، ونقف على بيانات وأخبار سابقة بشأن التدريبات التي تتلقاها خلايا إرهابية بحرينية وغير بحرينية في إيران ومن الحرس الثوري تحديداً في أغلب الأحيان، مسجلة باعترافات شخصية لأعضاء الخلايا المقبوض عليهم، فهل يبقى لدينا ثمة شك في النفوذ الإيراني وتحركاته المتجاوزة لكل الأعراف والقوانين الدولية في الداخل البحريني؟
تدور البحرين في فلك جدلية التخريب والإرهاب، وتحديد ماهية ما تتعرض له بشكل أكثر وضوحاً لاسيما على الواجهة الدولية، ويبرر البعض -من محرضي وداعمي تلك الممارسات في الداخل والخارج- أن ما تشهده البحرين هو تعبير سلمي عن احتجاجات شعبية أو حزبية، شأنها شأن ما تشهده كل الدول الأخرى في العالم. وفعلاً.. في كل الدول قد تحدث موجات احتجاج شعبية بطبيعة الحال، أو من قبل فئات محددة، مثل ما يحدث في أوروبا وأمريكا، وقد يصحب ذلك حرق للإطارات أيضاً كتعبير عن الاحتجاج، لكن هذه الحالات لا تعدو على كونها احتجاجات وقتية تنتهي بانتهاء القضية أو بمرور فترة من الزمن، الأمر غير المتحقق في البحرين؛ فموجات التخريب والحرق التي تشهدها المملكة لم تقتصر على احتجاج لقضية بعينها، ولم تتكرر في ظروف ذكرى سنوية لحدث ما، أو في موقع محدد ذي صلة بحادثة معينة وحسب؛ فالظاهرة الشعواء في تصاعد مستمر وتأجيج لا متناه، والاستمرار اللافت في حرق الإطارات وبصفة منظمة، وبهذا المستوى من التمويل إنما هو «تخريب ممنهج».
ندرك تماماً الفرق بين الأعمال التخريبية والأعمال الإرهابية، ولطالما اعتبرنا ما يحدث في البحرين تخريباً في فترات سابقة، ولكن ما الإرهاب إن لم نعتبر ترويع الآمنين والإضرار بحياتهم أو صحتهم إرهاباً؟ ما الإرهاب إن لم نعتبر تعطيل مصالح الناس إرهاباً؟ ما الإرهاب إن لم نعتبر التعدي على الممتلكات الخاصة والعامة في الدولة إرهاباً؟ وما الإرهاب سوى أعمال تخريبية ممنهجة؟! وهذا ما تشهده البحرين في بساطة الأمر وقبل الخوض في العمق.
عندما نقف على ما يحمله هذا التخريب من تبعات وتكاليف نجد أن الأمر لا يقتصر على الكلفة الأولية للعملية، بل هناك تكاليف تدفعها الدولة من أموال المواطنين ومصالحهم والمال العام الذي قد يضمن مستقبل ورفاه الشعب، نتيجة تعويض حرق الممتلكات الخاصة والعامة، وحرق صناديق الكهرباء، والإشارات الضوئية، أو بعض المواقع المهمة في المملكة والتي تقدم خدماتها أو تلقي بظلال فائدتها على الجميع. ناهيك عما تتمخض عنه تلك العمليات من إشكالية التلوث والأضرار البيئية وانعكاساتها الصحية، وهي المبرر الرئيس لارتفاع كثير من الأمراض في مجتمعنا، خصوصاً الأمراض السرطانية والحساسية بأنواعها، وهي تكاليف إضافية تتحملها الدولة على المستويين الصحي والبيئي. هذا إن لم نتوقف أيضاً على البعد التجاري المتأثر لا محالة بالوضع الأمني في المملكة.
إن التفسير الأمثل كما أرى لحرق الإطارات واستمراره، هو محاولة إظهار استمرار «الثورة» رغم ضمورها، وإشعال فتيل الفتنة في البحرين، مع الإبقاء على القضايا البحرينية على الواجهة الدولية، وباعتقادي فإن هذه إنما هي أهداف الممول الرئيس للعمليات والدافع الأساسي لها ألا وهو إيران، أما عملاء إيران في البحرين والمتورطون في عمليات التخريب تلك، إنما أهدافهم مادية بحتة ولا أرى لأفعالهم الصبيانية غير استرزاق وتكسب فقد ارتباطه بموضوع الثورة محولاً إلى حب المال والثروة.. باعوا الوطن بثمن بخس.
لقد أصبح عملاء إيران في البحرين يمارسون إرهابهم دونما قضية؛ ويعيثون في الأرض فساداً «عمال على بطال».. كل ما يتطلعون إليه من الحرق ألا يفقدوا ثقة مموليهم أرباب نعمتهم وما يتحصلون عليه من دخل إضافي!
- اختلاج النبض..
عندما رفعت الوفاق شعارها «ستعجزون ولن نعجـــز».. أكانـــت ترنو لتطميـــن الممـــول الإيراني والأصابع المحركة الخفية بالاستمرار في العمل وتنفيذ الأجندة؟!
تعليقي.. حتماً لن تعجزوا، لطالما تتدفق الأموال مدراراً من الساحل الشرقي.. حتماً لن تعجزوا، وأنتم سادة المرتزقة على الأرض؛ استرزاق على حساب الأوطان؛ فالإرهاب ليس مجاناً.