الرأي

حتى لا يكون بيننا خوارج الصحافة

حتى لا يكون بيننا خوارج الصحافة



هناك حكمة عن الصحافة تقول «مازلت مؤمناً أنك إذا أردت تغيير العالم فالصحافة سلاح فوري وأسرع» ومما قيل «الصحافيون هم شكل آخر للعدالة والصحافي النموذجي هو الذي يحب مهنته أكثر من عائلته»، وكما يقال دائماً لمن يدرس الإعلام «احرص على دراسة الصحافة فهي أم الإعلام».
أمام قرار إيقاف إحدى الصحف والزوبعة التي أثيرت والتي نرى أنها أخذت هالة إعلامية لا تستحق، فالمخطئ في عرف القانون يخضع للإجراءات القانونية والتأديبية حسب نظام الدولة والتشريع الإعلامي القائم فيها وانتهى، ما يجعلنا نكتب في هذا الصدد هو المفهوم الإعلامي المزدوج واللعب على أوتار الحرية الصحافية.
يجدر القول إن هناك أطرافاً في الدولة عليها استيعاب أن مملكة البحرين لن تكون منبتاً للفوضى الإعلامية والأجندة المتقلبة الهوى ومن يريد أن يشرع فلسفة صحافية جديدة تقوم على زعزعة الأمن الداخلي بالباطن وتهديد علاقات الدولة بالدول الشقيقة لها، ثم يتباكى على إعادة توجيهه ويزعم القمع الإعلامي لتصرفاته الإعلامية المزدوجة والمتجاوزة لأعراف الصحافة وقوانينها، فالأجدر به أن يتوجه إلى الدول الديمقراطية ويتأكد بنفسه كيف ستتعامل معه هذه الدول في حال تقاطع خطوط اتجاهاته الصحافية مع الأمن والسلم الأهلي في مجتمعها، ففي الدول الديمقراطية مهما بلغت الحرية الصحافية والانفتاح الإعلامي فإن الاقتراب من منطقة الأمن الداخلي والخارجي للدولة يعد من الخطوط الحمراء المحظورة التي لا تهاون فيها، لذا لم نر يوماً في صحافتهم التطرق لمواضيع تتعاطف فيها مع الإرهابيين وأسبابهم أو تمارس لعبة المصطلحات المزدوجة.
البحرين مرتبطة أمنياً بدول الخليج العربي والمنطقة العربية ككل، ومن لا يرحب بالأمن الداخلي والخارجي ويقوم بتفسير المواقف بناء على تناقض طائفي «وتصرف» في المصطلحات والأخبار لا يجب أن يرحب به في العائلة الصحافية البحرينية، فالأمن هو القارب الذي يحمينا من موج وتلاعبات بحور السياسة والتحديات الخارجية التي نواجهها، والدولة اليوم مشغولة بالبناء والتعمير لا إيجاد باب لإثارة البلبلة والمشاكل مع الدول.
كل وسيلة إعلامية في أي بلد كان تأتي على أسس ومفاهيم ترجع إلى النظريات الإعلامية السائدة؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية المؤسسات الإعلامية ملزمة بتطبيق نظرية المسؤولية الاجتماعية التي ظهرت عام 1947، والتي تشمل ضوابط أخلاقية للصحافة وممارسة العملية الإعلامية بحرية قائمة على المسؤولية الاجتماعية من خلال تجنب أي أمور تؤدي أو تشجع على الجريمة والعنف والفوضى، من باب أنه من غير المعقول أن تترك حرية الصحافة بلا ضوابط ومعايير ولا يجوز للصحافيين أن يستثمروا الحرية المطلقة للإساءة للآخرين.
كما ترى النظرية الأمريكية أن وسائل الإعلام عليها القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع، وأن تتولى تنظيم أمورها ذاتياً في إطار القانون والمؤسسات القائمة، كما تلزم أن يكون الإعلاميون مسؤولين أمام المجتمع، بالإضافة إلى مسؤولياتهم أمام مؤسساتهم الإعلامية، مما يعني أنه حتى أمريكا الديمقراطية التي يتشدق بحرياتها البعض لم تترك الحبل على الغارب في الصحافة والإعلام.
عندما نأتي إلى الصحافة الصفراء نلاحظ أنها انتقلت من مرحلة «تصفير الحقائق» إلى مرحلة الصحافة السوداء التي «تسود» الواقع البحريني بالسلبيات دائماً وتهويل المشاكل المجتمعية، ونجد أنها لم توجد الوسطية المجتمعية أو المواضيع التي تعزز لم الشمل البحريني أو دعم الجهود الأمنية والثناء عليها، فمعالجة الأخبار والمواضيع كلها تأتي في اتجاه تضخيم سلبيات البلد وتصغير إيجابياته حتى طريقة رسم الصفحات واستخدام الصور نراها تواكب هذا التوجه من خلال مساحة النشر الضئيلة للأخبار الإيجابية الوطنية وتخصيص الصفحات و»المانشيتات» العريضة لتعزيز قناعات المظلومية والتمييز الطائفي.
الصحافة في أي مجتمع كانت، كما الشرطة، التي لابد أن تراعي في عملها الحفاظ على النسيج المجتمعي والبعد الأمني للوطن، ليس الداخلي فحسب، إنما حتى الخارجي، والتعبير عن الرأي لا يعني إهمال أخلاقيات المهنة، ولا يمكن القول أمام الممارسات التي تتجاوز أعراف الصحافة ومهنيتها إنها حرية صحفية لأننا بذلك «نقص على روحنا».
من اختار اليوم أن يكون من الخارجين عن مبادئ الصحافة وأركانها وتفجير كل منجزات الوطن ونسفها بالتناقض الإعلامي عليهم مراجعة أنفسهم، فنحن في بلد تحكمه قوانين وأنظمة، وهناك فرق بين الصراحة والوقاحة وبين حرية التعبير وحرية التدمير، ومن يريد أن يكون من خوارج الصحافة ليجرب أن يخرج بمشروع إعلامي في دولة أجنبية ويناطح فيها جوانب الأمن وسيادتها ويتعدى على مواطنيها ويرى بنفسه إن كان سيسمح له بالاستمرار أو يوقف؟
هناك ضرورة للتفريق بين ما هو أخلاقي محض في العمل الإعلامي، أي يرجع إلى الضمير الفردي للصحافي، وما هو أخلاقي قانوني الذي يخضع إلى المحاسبة والعقاب، لذا فالإعلامي الناجح والموضوعي لا يحتاج للقوانين والرقابة لتنظيم مهنته، وإذا لم يراع ذلك فهنا يعمل جانب القانون لتعديل أخلاقياته الإعلامية طالما أخلاقياته الفردية لا تعمل.
إن أخلاقيات المهنة الصحافية تعتمد على مجموعة من المبادئ الموجهة للسلوك الأخلاقي، وهذه المبادئ مهمة للمؤسسات الإعلامية، خاصة في أوقات الأزمات، كما أن أساس أخلاقيات العمل الصحافي يقوم على العلاقات بين العاملين في وسائل الإعلام وبين المجتمع الذي ينتمون إليه ومدى التزامهم بالمبادئ والمعايير التي تبتعد عن إثارة الفرقة في المجتمع، وهناك قاعدة فلسفية في ما يخص التشريعات الإعلامية تؤكد أن وسائل الإعلام هي مؤسسات تعمل في مجتمع وتعكس واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، التي يكون عليها هذا المجتمع بمعنى من الواجب على كل مؤسسة إعلامية أن تلتزم بسياسة مجتمعها لا المجتمعات الخارجية.
كما نرى أن كثيراً من علماء الإعلام اهتموا بالوظائف الاجتماعية والأمنية للإعلام، فالعالم رولد لاسويل الذي يعتبر من أوائل العلماء الذين اهتموا بهذه المسألة يذكر أنه من بين وظائف وسائل الإعلام مراقبة البيئة الاجتماعية من خلال تجميع المعلومات وتوزيعها حتى يتمكن المجتمع من التكيف مع الظروف المتغيرة، بمعنى إن كانت هناك قضايا أمنية في المجتمع من الواجب أن تتكيف وسائل الإعلام معها من خلال خطابها الإعلامي، كما يرى لوسائل الإعلام مهمة أخرى هي إيجاد قنوات لزيادة ترابط المجتمع في الاستجابة لتحديات البيئة المحيطة بهم، أي خلق رأي عام وطني موحد.
إن الخطاب الإعلامي ينبغي الاهتمام به بحيث يكون مواكباً للتحديات الأمنية التي تواجهه الوطن والمنطقة، لذا نقول أمام ادعاءات تضييق الحرية الصحافية لا يرمى إلا الشجر المثمر، والبحرين مثمرة بالحريات الصحافية والإنجازات وتثبيت الوحدة الاجتماعية، وصحافة البحرين ستبقى مصدراً تاريخياً لتثبيت مواقفها الوطنية والخليجية والعربية، ولا ينكر ذلك إلا من اختار أن يكون من خوارج الصحافة.
- إحساس عابر..
- من ينتقد اليوم إعادة الصحيفة الموقوفة؛ نقول له هي عادت فعلاً ولكن كيف؟ بتلقينها درساً في تحرير الأخبار وانتقاء المصطلحات، وبعد أن وجه لها التوجيه والمحاسبة، وهذا هو المهم في دولة القوانين والتشريعات، فمملكة البحرين كانت هي سباقة في مجال الحريات الصحافية على مستوى المنطقة، كذلك سباقه في الحفاظ على مهنية الصحافة.
- الاتحاد الأوروبي يأمل من البحرين مراجعة قرار إيقاف جريدة الوسط.. «وإنتو شكو فينا؟» لماذا لم تنتقدوا حملة الصحف الفرنسية على الإسلام بعد حادثة جريدة شارلي إبدو؟ وما كانت تفعله هذه الجــــريدة بالأصل من تمييز عرقي ومحاربة للمسلمين؟