الرأي

خيرك لا يضيع

بنــــــــــادر



بعد حوالي الستين عاماً، أعود إلى الصف الثاني الابتدائي «التحضيري» سابقاً، إلى كتاب القراءة، وأقف عند حروف «ز.. ر...ع» و»ح.. ص.. د»، بعد كل هذا السنوات اكتشف الآن، ربما اكتشف غيري أيضاً، أن هذه الكلمات التي يعتبرها بعض الناس نوعاً من أنواع التلقين وهم مع الفهم وضد التلقين، أن ما أعطونا إياه المعلمون لم تكن كلمات فقط إنما هي قوانين كونية، قوانين لو قمنا بممارستها لاستطعنا أن نحرك الجبال ونزرع السماء بما نحلم، إلا أن طبيعة الحياة وتأثير الفكر الغربي المادي والتفكير بالحصول على السمك دون العمل على تعلم طرق الصيد، هو هذا ما أبعدنا أفراداً وجماعات ومجتمعات عن وعي هذا القانون الإلهي والطبيعي والإنساني.
وهنا أريد القول إن أغلبية الناس يتصورون أن المال الذي يجمعونه في البنك هو رصيدهم الباقي والذي سيعطيهم نعمة الأمان من الحاجة والعوز، وهو القادر على تخليصهم من مد اليد إلى الآخرين، هم لا يدرون أن الرصيد الحقيقي الذي سيحميهم من كل شيء هو رصيد السماء، والذي يتضاعف آلاف المرات ويعود إليهم بصورة لا يتوقعونها.
وقبل أسبوع تقريباً قرأت، للمرة الأكثر من عاشرة، حكاية واقعية يتناقلها أصحاب المواقع وقنوات التواصل الاجتماعي، وهي في الواقع حكاية معبرة خير تعبير عن قانون الزراعة الكوني، هذا القانون الذي يقول ما تزرع تحصد، تقول الحكاية...
توفيت والدته قبل أن يتوظف «معلماً»، وكانت أمه تعمل بالخياطة وتعطيه النقود وتمنعه من العمل وتحثه على إكمال الدراسة، ففعل ما أرادت ووفقه الله وتوظف.
وكانت نيته أن يعطي من راتبه لأمه ليسد بعضاً من جمائلها عليه، لكن شاء الله وتوفيت رحمها الله فحزن قلبه وبكى عليها كثيراً، ونذر لله تعالى أن يدفع ربع راتبه للفقراء ناوياً الأجر لأمه، ويحلف بأنه منذ ثلاثين سنة من وفاة أمه لم تفته سجدة إلا وقد دعا لهـا وتصدق بالماء وحفر الآبار لها، وضع في عدد من المساجد برادات للماء وقفاً لها.
وفي يوم خرج للصلاة فرأى مجموعة من الرجال يضعون برادة ماء في مسجد حيهم، فضاق صدره وقال وضعت في الشرق والغرب ونسيت أن أضع برادة في مسجد حينا، وبينما هو يفكر وإذا بإمام المسجد يلحق بـه ويقول: «يا أبومحمد جزاك الله خيراً على برادة الماء..!».
استغرب وقال: «لا والله إنها ليست مني».
فقال الإمام: «بلى إنها منك.. اليوم أحضرها ابنك وقال إنها منك».
فإذا بابنه محمد يقبل ويقبل يده ويقول: «يا أبي إنها مني ونويت أجرها لك.. فتقبلها سقاك الله من أجرها بسلسبيل الجنة».
فسأله أبومحمد: «وكيف أحضرت ثمنها يا ولدي وأنت في الأول الثانوي ولا تعمل؟!».
فقال له: «منذ خمس سنوات أجمع مصروفي وعيدياتي وجميع ما أملك من نقود لأبر بك كما بررت بجدتي رحمها الله وأضع لك وقفاً».
إلى أصغر عمل خير لا تنظر بسخرية أو تقلل من شأنه، ففي مثل الأعمال منفعة تعود إلى آخرين؛ مثل وضع ماء بارد يروي من يشعر بالظمأ دون التفكير بمن يشرب أو جنسيته أو دينه أو مذهبه، فمن سيشرب منه إنسان مثلك، يملك ما تملك من روح إلهية وصلت إليك من والدك الأول آدم.
افعل الخير ولا تنتظر مردوداً
افعله دون تفكير
افعله لله.. افعله لله.. افعله لله..
وستجد البركة تأتيك من حيث لا تحتسب..