الرأي

حادث سترة وصناعة الكراهية

كلمــة أخيــرة




- هل تنكرين أن هناك تمييزاً واضطهاداً ضد الشيعة في البحرين؟ وأن الشيعة حرموا من دخول الجيش والشرطة عقاباً لهم لأنهم شيعة؟
- منذ أحداث التسعينات وهناك تغذية مستمرة لفرض هذا التفسير على العلاقة المضطربة بين شرائح شيعية والدولة أغلبها من البسطاء وسكان القرى، رغم أن التشيع ليس وليد التسعينات ورغم أنه قد مضى على حكم آل خليفة أكثر من 200 عام ولم تستغل العقيدة الدينية في تأجيج هذا الصراع كما تستغل اليوم.
أجبنا عن هذا السؤال في أحداث التسعينات في أحد المقالات ولم يتغير الجواب إلى اليوم، وهو أن الدولة لا يهمها ماذا يعبد المواطن وأي ملة وأي دين يدين به، الدولة لا يعنيها أن تحب علياً وتبغض عمراً أو تحب عمراً ولا يعنيك علي، الدولة لا يهمها أسبلت يدك في الصلاة أو ضممتها إلى صدرك، مارست التطبير وشطرت رأسك نصفين أنت حر، أو استنكرت هذا الفعل أنت حر، لا يضير الدولة معتقدك الديني ولا يهمها في شيء ولا يمس أمنها وسيادتها في شيء، هناك العشرات من الملل والنحل تعيش بسلام على أرض البحرين أهلها تجار وموظفون في الدولة ويمارسون حياتهم بشكل عادي، العزاء والتطبير والأوقاف الجعفرية والعطل الدينية كلها موجودة في البحرين منذ زمن طويل، الدولة تنظر إلى ولائك لدستور هذه الدولة الذي يحدد التزاماتك السياسية تجاهها، كنت سنياً، كنت شيعياً، أو كنت بوذياً، علاقة الدولة بك سلباً أو إيجاباً بمقدار هذا الالتزام وليس لمعتقدك الديني دخل أو شأن في تحديد طبيعة علاقتك بالدولة.
حين تأسست قوة دفاع البحرين في نهاية السبعينات ضمت الشيعة والسنة جنوداً، هذه حقائق يعلمها من يلعب على هذا الوتر، بل كان في الجيش المرشد الديني للشيعة في «القوة» هو «محمد هادي مدرسي» -للمفارقة- وهو الذي أسس أول خلية إرهابية تأتمر بأوامر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، ونجح في تجنيد أفراد من شيعة من قوة الدفاع وحين انكشف أمره هرب وسجنت المجموعة الشيعية، منذ ذلك الوقت رفعت إيران شعار «تصدير الثورة» علناً، ورفعت في البحرين تزامناً معها رايات إيرانية علناً لمن حول تقليده من مرجعيات دينية متفرقة للخميني، ومنذ الثمانينات إلى 1994 عملت إيران على تجنيد شرائح من شعب البحرين حين نشط حزب الدعوة بفرعه البحريني بمآتمه وبالقائمين عليها في أحداث العنف المعروفة وفجرت محلات وقتل رجال أمن وقتل وافدون فاختلط الحابل بالنابل، وصعب على الدولة ضم أفراد للجيش تلتبس عندهم المرجعيات الدينية بالوطنية. فللجيش -بالأخص- في كل دول العالم «عقيدة» تتطلب ولاءً مطلقاً وطاعة عمياء لا لبس فيها ولا تأرجح ولا مكان لأي مرجعية غير رئاسة الدولة، يستبعد استبعاداً تاماً من أي جيش أي مشتبه في ولائه للنظام السياسي للدولة، يحدث ذلك في كل دول العالم وهذا ما يعرفه مقلدو المرشد الأعلى الإيراني الذين يلعبون على الورقة الطائفية وينكرون تلك المعلومات والحقائق عن جماعتهم ويخفونها ويصورون الأمر على أنه اضطهاد للمعتقد الديني وكره لمحبي آل البيت.
ومنذ التسعينات وماكينة مقلدي الخميني الإعلامية ومن بعده الخامنئي وهي تعمل جاهدة إلى تحويل الحراك السياسي في البحرين حتى بعد أن شرعن ونظم دستورياً إلى حراك مذهبي طائفي، تبدى ذلك واضحاً منذ لحظة تأسيس «التيار» لجماعتهم السياسية ولصحيفتهم، حين أسست من أفراد طائفة ووظفت موظفيها من أفراد طائفة واحدة، منذ التسعينات وقيادات هذا التيار تلعب بالورقة المذهبية حتى اليوم، وهي لعبة خطرة نجحت في تأسيس وتهيئة بيئة خصبة لصناعة الكراهية، تخفي حقائق وتضخم أخرى وتتغاضى عن جرائم وتضلل بالمعلومات في إصرار وترصد لتحويل أي أزمة إلى ورقة مذهبية.
حتى أخطاء أو حتى جرائم السلطة إن حدثت في معالجة هذا الواقع الصعب وهذه العلاقة المضطربة بين مجموعات شيعية والدولة لا يجعل الدولة مسؤولة عن وجود هذا الواقع، بل هو تابع له ولاحق عليه، تذكر أنك تتحدث عن «معالجة» وحتى هذه استغلتها هذه الجماعة في تأجيج البيئة التي أنشأتها وغذتها وروتها مسبقاً.
ومنذ أن حاولت هذه الجماعة الانقلاب على الدستور في 2011 ونحن نؤكد أن تلك المنابر السياسية والإعلامية لا تقل خطورتها ومسؤوليتها عن المنابر الدينية، بل هي أشد خطراً لأنها توجه خطابها للخارج وتضلل الرأي العام الدولي وليس البحريني فحسب، وتتحمل هي مع المنابر التي تدين بالولاء لمرجعيات أجنبية اتساع رقعة تلك البيئة المفعمة بالكراهية في القرى والمناطق الشيعية.
فهناك شحن يومي لا يتوقف يحول كل مشكلة وكل أزمة وكل كارثة يعاني منها كل المواطنين لضعف أو لسوء أداء في أي من السلطات -تحولها تلك المنابر- إلى مواجهة بين الدولة ضد محبي آل البيت.
لا يمكن فصل هذا الشحن اليومي والمتواصل من هذه المنابر لحالة العداء للدولة بكل أركانها من دستور إلى رموز حكم، لا يمكن فصل هذا الإرهاب عن منابعه ومصادره وتغذيته، هؤلاء الذين يهربون الأسلحة ويتدربون على حمل السلاح، هؤلاء الذي يستخدمونه ويقتلون به الناس كانت إيران مظلتهم دوماً، إنما كانت رعايتهم من حزب الدعوة البحريني وأجنحته الدينية والسياسية والإعلامية الذي يدين بالولاء لمرجعية إيرانية، هم من يشحن الناس منذ التسعينات إلى اليوم، وببقائهم وتغاضي الدولة عنهم وسكوتها على جرائم تضليلهم، سيستمر الإرهاب ولو قبضتم على ألف سيشحنون ويجيشون ألفاً آخرين، مهادنة الدولة لمنابع الإرهاب وصناع الكراهية منذ عام 2000 إلى اليوم هي التي أوصلتنا إلى هذه الحالة، لا يكفي أن تقبض الدولة على من يحمل السلاح لا بد أن تتصدى الدولة لمن يشحن عقل حامل السلاح.
يعملون على صناعة الكراهية تحت سمع وبصر الدولة وبشكل يومي يقومون بقلب الحقائق وتضليل الرأي العام وكل ما تفعله الدولة هو «الرد والتصحيح» في منابر يحرم على جماعتهم سماعها أو تصديقها أو متابعتها فيذهب جهد الدولة هباء.
هذه البيئة التي تخرج يومياً إرهابيين هي التي يجب أن تستهدف من الدولة، الإرهاب سيتناقص وسيتقلص في حال جففت منابعه، وعملت على بناء الجسور التي هدمتها تلك المنابع بين الدولة وبين تلك الجماعات وما أبسطها من جماعة وما أطيب أهلها لهذا سهل استغلالها من قبل تلك الجماعات.
الدولة قادرة على أن تمد جسورها للجماعات الشيعية التي غذيت كراهية حين تقطع دابر التحريض والتضليل أولاً، ثم تعمل على بناء العلاقة من جديد تدريجياً حتى وإن استغرق ذلك وقتاً.
أما والحال مستمر بوجود هذه المنابر فحادث سترة لم يكن الأول ولن يكون الأخير.
ملاحظة:
تابعوا التغطية الإعلامية والسياسية لحادث سترة لتعرفوا أننا لا نتحدث من فراغ.