الرأي

ما وراء داعش.. أبلسة السُنة

نظــــــرات



أبرز من تخصص في ظاهرة أبلسة السنة هو اللبناني الدكتور نبيل خليفة، وقدم أطروحات مهمة حول هذه الظاهرة في كتاب حديث للغاية صدر العام الماضي يتحدث فيه عن الهجمة التي تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط من خلال استهداف المكون السني الذي يشكل الأغلبية في المنطقة، بحيث يتم تمكين مكونات أخرى لتكون صاحبة النفوذ الأوسع.
أطروحات خليفة تعتمد بشكل أساسي على الصورة النمطية التي تم تكوينها منذ ثمانينات القرن العشرين، ومازالت مستمرة، وهي أن هذا المكون هو السبب الرئيس لمشكلات وفوضى المنطقة باعتباره مصدراً للتطرف وبالتالي الإرهاب وعدم الاستقرار.
تكمن أهمية أطروحات الدكتور نبيل خليفة إلى أنه من أبرز الجيوبوليتيكيين العرب، ولمن استغرق وقته وجهده في الشأن السياسي يدرك جيداً معنى البعد الجيوبوليتيكي في التحليل السياسي دائماً.
أبلسة السنة مدخل مهم جداً لفهم التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ولمعرفة أسباب الاهتمام الدولي دائماً بمحاربة الجماعات الإرهابية المتطرفة إذا كانت تضم مكونات سنية أكثر من غيرها من المكونات، والتجاهل والفتور الكبير إذا كانت الجماعات الإرهابية المتطرفة تضم مكونات شيعية أكثر من غيرها من المكونات.
في ضوء هذا المدخل يمكن فهم تنظيم داعش الإرهابي بأنه صورة مطورة للتنظيمات المتطرفة السابقة، حيث نذكر تلك الجماعات التي ظهرت في منتصف القرن العشرين، وكانت تحمل فكراً تكفيرياً، ثم تطور الأمر إلى تنظيم أكثر دقة عندما تشكل جيش المجاهدين العرب في أفغانستان، وصارت كوادر هذا الجيش لاحقاً نواة تنظيم القاعدة الإرهابي، ومن رحم القاعدة ظهر تنظيم داعش، كل هذا المسار بتجرد عن التدخلات الإقليمية والدولية في دعم تشكيل هذه الجماعات والتنظيمات.
بنفس مدخل «أبلسة السنة» يمكن فهم الأحداث التي مرت بها البحرين منذ ما قبل 2011 وإلى الآن، لأن السياق واحد. ولن ندخل أكثر في فهم الأسباب والدوافع فقد تحدثنا فيها كثيراً، وموجودة في كتابي الأخير. ولكن الحديث يجب أن يركز عما يمكن أن تترتب عليه هذه الظاهرة، فهل الأبلسة ستقود إلى الاعتدال؟ أم ستقود إلى مزيد من التطرف؟ وهل تمكين مكونات أخرى غير السنة في المنطقة -باعتبارهم الأغلبية- سيؤدي إلى استقرار أكبر أم صراع أوسع؟
سنحاول تقديم مجموعة من الإجابات حول هذه الأسئلة المصيرية غداً لأنها ستساعد على فهم واقعنا المعاصر مع تنظيم داعش الإرهابي الآن، ومستقبلنا في مرحلة ما بعد داعش بعد فترة غير معلومة من الزمن.