الرأي

بديل الجماعات الدينية

كلمــة أخيــرة







نتمنى أن تكون الأنظمة الخليجية قد استوعبت الدرس وأدركت أن أكبر مهدداتها الآن هي الجماعات الدينية الشيعية منها والسنية التي تركتها ترعى من قوت الدولة حتى اشتد ساعدها فرمت الأنظمة بسهمها قبل أن ترمي الدولة، والتي نجحت في فترة الكمون من الانتشار وخلق قاعدة جماهيرية ترتكز عليها في مشروعها القديم الجديد لبناء دولتها الدينية على حساب الأنظمة والدول القائمة.
نتمنى أن تكون الأنظمة قد أدركت أن الجماعات الدينية لم توالِ الدول القائمة إلا كتكتيك مرحلي لا كنهج استراتيجي، وأن الاستعانة بها أو التغاضي عن تمددها كان خطأ فادحاً تدفع الأنظمة ثمنه الآن قبل الدولة، ويدفع معها الثمن مجتمع مدني تعب وأفنى حياته وهو يجمع مكتسباته وامتيازاته التي تشاركها مع الجماعات الدينية حتى إذا ما استقوت تلك الجماعات بقواعدها وبتحالفاتها مع قوى أجنبية إقليمية ودولية انقلبت على الأنظمة وعلى شركائها في المجتمع المدني الذين تقاسموا معها حلو المدنية ومرها.
نتمنى أن تدرك الأنظمة أن استراتيجية ضرب الوسطية والاعتدال كقاعدة جماهيرية ضربها في اقتصادها وفي فكرها وثقافتها والتضييق عليها والسماح للتشدد والتطرف اقتصاداً وفكراً وثقافة لم يأتِ إلا وبالاً، لا على الوسطية فحسب التي اضمحلت نتيجة التضييق عليها ونتيجة هذا الحلف الشيطاني بين الأنظمة والجماعات الدينية، بل وبالاً على الأنظمة أيضاً.
توارت هذه الوسطية واضمحلت حتى بتنا نبحث عنها في كومة القش المتشدد والمتطرف في مجتمعاتنا إبرة صغيرة لا يعثر عليها إلا بشق الأنفس، حيث خذلتها الأنظمة وتركتها عرضة للنهش والذبح الثقافي والاقتصادي قبل أن تذبح نحراً وتفجيراً وحرقاً.
من شجع كل أنواع التطرف ليتمدد في قرانا وفي مدننا؟ من ساعد كل «زاعق» متشدد على إسكات صوت الاعتدال؟ من قوض المدنية ونمى الجماعة على حساب المجتمع المدني؟ غير الأنظمة التي ظنت أنها إنما ترعى موالاة لها أو ترعى مؤلفة قلوبهم ستستميلهم لحضنها، فإذا بها تكبر الوحش الذي سينهش بها بعد أن نمت أنيابه وكبرت وأصبح لها امتداد خارجي.
خذوها باختصار ستكون هناك «معارضة» وسيكون هناك «شركاء في الحكم» لكل الأنظمة الحاكمة هذا تغيير حتمي شاءت الأنظمة أم أبت، لتكن إذاً معارضة وشركاء ضمن الإطار الدستوري ليفسح لوسطية التكوين والنشأة في اقتصادها وفي ثقافتها وفكرها ونهجها ومدرستها السياسية مجال، لتكن مدنية التكوين والتأسيس، لتكن من هذه الشرائح المثقفة المتعلمة المهنية من الطبقة الوسطى، أفسحوا لها المجال لتتحرك لتتنفس لتعبر عن رأيها لتجد لها متسعاً لأنشطتها، لتحميها التشريعات والقوانين ولتفتح لها الأنظمة آذاناً دون أن تتوجس.
تجلس مع رجال ونساء متعلمين مثقفين يملكون رؤية ويملكون فكراً ويملكون بديلاً سياسياً واقتصادياً وفكرياً لكنهم بعيدون عن المشهد، فالمشهد يتصدره إما رجال دين وإما «عوير وزوير» ومع احترامي للإنسانية، إنما أتكلم عن الأوعية الفكرية الفارغة التي تتصدر الساحة، وتتهافت على المواقع والمناصب، البلد به عقول شابة وعقول نشأت في بيئة وسط واعتدال كبيت وأسرة وكتربية وكتأسيس فكري، عقول توارت وهاجرت وابتعدت لأنها تشعر ألا مكان لها هنا، الاعتدال والوسطية والشخصيات التي تملك ثقلاً فكرياً تشعر بالغربة، المكان إما لشيخ دين أو للمتسلقين، كلما أبدى أحدهم رأيه مختلفاً أو معترضاً توجهت له سهام الطعن والتهميش والإقصاء من دوائر ضيقة تحيط بصناع القرار، كلما حاول أحدهم أن يجد له مكاناً على الساحة السياسية معترضاً إما على فساد أو محتجاً على احتكار الجماعات الدينية المشهد، ترك عرضة للنهش والتجريح دون قانون يحميه ودون نهج لدولة يحتويه.
هؤلاء هم حصن الدولة هم بيئتها الحاضنة وهم للأنظمة المدنية أقرب، هؤلاء من ينشغل ويشتغل بالسياسية بغية إصلاح الأنظمة لا بغية إسقاط الدولة، بل بلغ بأنظمة ذكية أن رعت أحزاباً سياسية معارضة، فرعت بذلك النهج بيئة الوسطية والاعتدال حتى باتت تلك الوسطية حصناً للدولة والآن الأنظمة في مأمن من أي تهديد من هذه الجماعات.