الرأي

شياطين لا تصفد في رمضان «2»

شياطين لا تصفد في رمضان «2»








شهر رمضان الكريم له فوائد عظيمة؛ فهو شهر الرحمات والمغفرة والعتق من النار، كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن الإعلام الرمضاني في الدول العربية، والحاجة إلى إعادة هيكلته وتخطيطه بحيث يواكب المعاني الحقيقية لفضائل شهر رمضان المبارك، وأهمية أن يتماشى مع دعم وتعزيز سلوكيات وآداب المسلم التي ترشده إلى بوصلة أهدافه وغنائمه الثمينة.
أمام غياب تسليط الضوء على أفعال السلف في شهر رمضان ليقتدي بهم شباب الأمة الإسلامية؛ هناك من أوجد بدعة المسلسلات الرمضانية على الشاشات العربية، وأخذ يحشوها بكم كبير من القضايا الاجتماعية التي من الممكن عرضها خلال بقية شهور السنة دون الالتفات إلى أهمية إنتاج برامج ومسلسلات تتماشى مع أجواء رمضان الحقيقية، والتي تنقل شيئاً من ذاكرة رمضان التاريخية للمسلمين والتي يجتهدون فيها طلباً للطاعة والمغفرة وتسليط الضوء على سير الصالحين وأعمالهم وما كانوا يقومون به خلاله.
الإعلام الرمضاني يحتاج لاستعراض أعمال تعود بنا إلى سير الصالحين وركاب المؤمنين الذين استشفوا المعاني السامية للصوم الذي لا يعني فقط الامتناع عن الطعام والشراب؛ إنما الصوم عن كل ما يدخل في قائمة اللهو واللغو والمنكرات، بحاجة لأن يرسخ ثقافة يستشعر خلالها المرء أن صيامه مقبول عند الله ويتيقن ذلك بملاحظة وجود تغيير في بعض سلوكياته وعاداته اليومية بعد رمضان، أن الله منحه هبة التغيير نحو الأفضل؛ فشهر رمضان محطة سنوية لتجديد الروح واستثمار ساعاته في العبادة والطاعة، فهو يمر بنا كل سنة ليشطب بعض السلوكيات التي تبعدنا عن الطاعة ويضيف لنا أخرى تقربنا من رضا الله، ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته غنائم رمضان السنوية.
أليس بمستغرب أن نرى خلال شهر رمضان الشهر، الذي أنزل فيه القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، أن هناك من ينزل فيه البرامج الغنائية والفوازير والمسابقات لسرقة هبة النور التي أراد الله منحها إياهم ببلوغهم شهر رمضان إلى ظلمات اللهو، شهر من المفترض أن يكثر فيه قراءة القرآن لا قراءة كل مسلسل ثم نقده والنقاش حوله على وسائل الاتصال الاجتماعية، وكأنه قضية مصيرية، بل وصل الحال للكثير من الشباب بتصوير كل لقطة للمسلسل والتعليق عليها في تويتر وكأنهم تحولوا لمراسلين إخباريين ونقاد.
في زمن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام كان الصالحون يحفظون صومهم عن كل ما يبطله من اللهو واللغو واللعب والغيبة، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتدبر القرآن، وليس بالسهر عند شاشه التلفاز، مقابل من يحاول اليوم أن يختم مشاهدة كل الحلقات والتوقيت على مواعيد عرضها، كان الحسين يتختم في رمضان وكان سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن مرة كل يوم، أليس معيباً أن نرى مسلمين يعكفون أمام التلفزيون أو في مقاهي الشيشة والخيم الرمضانية ورسولنا الكريم كان يعتكف في العشر الأواخر؟ متى يتعلم المسلمون أنه شهر لتكفير الذنوب لا زيادتها وتطيير الحسنات؟
أمام من يطيل السهر في «الغبقات والسهر مع الربع» كان صحابة رسولنا الكريم يطيلون في صلاة التراويح إلى ما يقارب الفجر، وما كاد أحدهم ينتهي من السحر حتى يؤذن الفجر، الصحابة كانوا يتركون مصالحهم وأشغالهم للتنافس في العبادة، ولدينا اليوم مسلمين يتنافسون في إشغال أنفسهم بكل ما يدخل في مفهوم اللهو والتسلية وإرسال المسجات على البرامج التلفزيونية، والأمر أن إعلامنا الرمضاني يتجاهل كل هذه السير الصالحة ولا يبرزها أو يحاول تقويض هذه السلوكيات واستبدالها وفق منهجية بناءة.
أمام سيدنا عمر رضي الله عنه الذي كان لا يفطر إلا مع الفقراء والمساكين، نرى اليوم من لا يفطر إلا في الخيمات الرمضانية مع الراقصات وشلل اللهو، أو الخيم الرمضانية الراقية مع الطبقات المخملية من المجتمع، وهناك من نسي أن يحرص على الاقتداء بالصحابة في أفعالهم الرمضانية.
كان الإمام مالك بن أنس إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن، فهذا دأب السلف في الانشغال بالعبادات في رمضان وتخصيصه بتلاوة القرآن، وهذا هو المفترض من البرامج التلفزيونية التي عليها أن تحترم هذا الشهر الكريم بإيجاد برامج تخصص للحديث والذكر وتفسير القرآن الكريم وعلومه وتشجع الشباب على إدراك غاية شهر رمضان وكيفية تمضية ساعاته ولياليه، ولا نعتقد بأنه صعب على الإعلام أن يرضخ لمدة شهر واحد فقط لهذه المبادئ وأن يستبدل برامج المسابقات المتكررة طيلة السنة على الشاشات ببرامج مسابقات عن حفظة القرآن والأحاديث مثلاً، من باب الالتزام بفضائل شهر رمضان الكريم والتنويع في البرامج التلفزيونية المعدة، شريطة أن تتسق مع أجوائه المباركة أو مسلسلات تاريخية تورد سير الصالحين.
- إحساس عابر..
قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام «فرض الله عليكم شهر رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه»، هل هناك من يفطن أنه شهر للعبادة لا البلادة أمام التلفزيون و«الربادة»؟