الرأي

جدل بيزنطي

على خفيف


هذا الجدل البيزنطي بين مجلسي النواب والشورى من ناحية والحكومة من ناحية ثانية حول الشكل الذي تصدر به الميزانية والذي يدور في معظمه حول طلبات يتقدم بها المجلسان، ورفض وطلبات أخرى تصر عليها الحكومة، هذا الجدل الذي لا يمس جوهر محتوى الميزانية، ولا يقدم تنازلاً من الحكومة للمجلسين في ما يتعلق باتخاذ القرار.
فمع إن الميزانية التي يجري الجدل حولها اسمها بالتحديد (الميزانية العامة للدولة) وليس ميزانية الحكومة، فمن الواضح أن الجهتين تخلطان أو تدمجان بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة، ومن ثم يتعاملان مع الحكومة بصفتها الدولة ومع الميزانية العامة للدولة على أساس أنها الميزانية العامة للحكومة.
الحكومة أدلت بتصريحات كثيرة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة قالت فيها وأكدت أنها لن تتخذ قراراً يتعلق بمصلحة المواطنين ومعيشتهم بشكل عام والدعم بشكل خاص إلا بالمناقشة والاتفاق مع السلطة التشريعية غير أن ذلك لم يحدث أبداً، وأن الحكومة لم تقدم للمجلسين حتى الآن أي مبادرة تخص مستقبل الدعم، بل إنها ما فتئت تصر على قرارها المنفرد بشأن دعم اللحوم على الرغم من الرفض القاطع له من قبل المجلسين.
أضف إلى ذلك أن الدستور في إحدى مواده يدعم مقولة ميزانية الحكومة عندما تقول المادة ما معناه أن أي تعديل على مشروع الميزانية يجب أن يحظى بموافقة الحكومة، وبعبارة أخرى فإن كل المناقشات والطلبات والاقتراحات والاجتماعات المشتركة لا تؤدي إلى أي شيء إلا إذا وافقت عليها الحكومة.
وبناء عليه فإن جدل الشهرين الأخيرين منذ بدأت مناقشات الميزانية هو بالفعل جدل بيزنطي، وأن اللجنة المالية المشتركة للمجلسين ومعها رؤساء وأعضاء المجلسين لن يستطيعوا أن يفرضوا على الحكومة تخفيض مصروفات أو إدراج إيرادات، أو أي خطوة أخرى إذا لم تحز على استحسان وموافقة الحكومة.
فالميزانية المعروضة على المجلسين هي ليست ميزانية دولة كما هو متعارف عليه بين الدول، ميزانية الدولة هي خطط وبرامج ومشروعات، وليست رواتب وعطايا ومساعدات وتبديد المال العام على أفراد وجهات لا مردود إنتاجياً منها، الميزانية المعروضة هي ميزانية حكومة، وإذا ما أردتم أن تجعلوها ميزانية دولة فاختصروا هذا الجدل البيزنطي في إعادة تسمية الميزانية بميزانية الدولة، وإعادة قرار التحكم فيها إلى السلطة التشريعية.