الرأي

هل تفتح «هدنة رمضان» مخازن كرات الجمر؟

نبضات


ليس هناك ما هو أسوأ من كرة جمر تدحرجها بين يديك، إلى أن تبتلعها لكي لا تحرق أصابعك فتتسلل إلى أعضائك في العمق وتحرق كل ما مرت عليه. إنه المشهد الذي يخيل إلي في تعاطي الخليج العربي مع قضية اليمن، بدءاً من «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، وانتهاءً بمشاورات «جنيف» وما تمخض عنها من حلول مقترحة، يحسب فيها الخطأ برفة عين واحدة قد تخرج عن السيناريو المتوقع، لتكون النتائج وخيمة كما لم نكن نحسبها من قبل.!!
بعد سنوات طاحنة ودامية من الصراعات في المنطقة العربية، أكد أمير قطر في مكالمة هاتفية بينه وبين الرئيس الإيراني «الخميس» على الدور الهام الذي يمكن لإيران أن تلعبه في إرساء السلام والأمن في المنطقة، كما أكد أهمية إحلال الحوار بدلاً من العنف في سوريا والعراق واليمن.
وتضمنت المكالمة الدعوة القطرية لتجاوز الخلافات مع إيران وتعزيز العلاقات بينهما، رغم ما اعترى العلاقات البينية من توترات وخلافات، ورغم الموقفين المتعارضين لكل بلد من القضايا الراهنة، لاسيما في سوريا واليمن. وجاء في المكالمة أيضاً؛ التأكيد على أهمية إنهاء العنف في المنطقة خلال شهر رمضان، الأمر الذي كان قد دعا له الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع انطلاق مشاورات جنيف حول اليمن. ويبدو أن روحاني قد أبدى موافقة مبدئية على الهدنة لاستغلالها في إقامة علاقات اقتصادية وسياسية بين البلدين، وربما بقية دول الخليج العربي في وقت لاحق.
وقد كانت «هدنة رمضان» من الموضوعات المهمة التي طرحت في جنيف، بغية تحقيق فترة انتقالية سياسية، تضمن تمثيلاً عادلاً لجميع الأطراف في اليمن، حسب قول الأمين العام للأمم المتحدة، وأنها ستترك متسعاً ما لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين خاصة خلال شهر رمضان.
ورغم ما تحمله تلك الدعوة من عدالة نظرية وحكمة ولمسة إنسانية ذات أهمية، إلا أنها ستفتح أبواب مخازن كرات الجمر، لتتدحرج واحدة تلو الأخرى على رأس الخليج العربي وفي جوفه، فـ«الهدنة الرمضانية» تلك والتي قد تمنح «التحالف» من جهة فرصة ذهبية لإيجاد مخرج سياسي من أزمة اليمن والأزمات المحيطة بها في المنطقة، بعيداً عن استخدام القوات العسكرية وفرض القوة وارتفاع الكلفة لاستعادة الشرعية في اليمن، والدفاع عن أمن العمق الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية والتي تمثل هي الأخرى عمقاً استراتيجياً لأغلب دول الخليج. في الجهة المقابلة قد تكون «الهدنة الرمضانية» فخاً يريد الإيقاع بالخليج العربي وقوات التحالف من خلال إتاحة المزيد من الوقت والفرص لإعادة حشد قوة الحوثيين وتسليحهم من قبل إيران، ما يمنحهم وصواريخهم مزيداً من القرب من حدود المملكة العربية السعودية.!!
لعل المكالمة التي أجراها الأمير القطري، ليست قراراً فردياً، ويبدو أن دعوة إيران لتحقيق «الهدنة»، خيار تم التوصل إليه بالإجماع، ورغم التعقيدات المثيرة في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي، وما تجرعه منها من ويلات على مر السنوات، يبدو أن حلولاً دبلوماسية واقتصادية في الطريق، لعلها تكون عربون سلام في منطقة لم تذق طعم السلام لسنوات، ولعل التقارب الأمريكي الإيراني الذي حصل مؤخراً لم يدفع بالعلاقات الخليجية الإيرانية بشكل مباشر للمصالحة أو للحوار، ولكنه قدم اليمن صيداً ثميناً لإيران ليكثر خطاب ودها عنوة.!!
- اختلاج النبض..
لا مناص من المجازفة، وليس أمام الخليج العربي سوى التسلح بالحذر ليل نهار، فلعلها.. لعلها.. لعلها.. تسلم الجرة هذه المرة، فلم يبق في الخليج العربي مزيد من الجرار ليراهن عليها.