الرأي

الطعن في القضاء ليس حرية رأي

في الصميم


لم يعد الغبي في عالمنا السياسي، بعد انقلاب 14 فبراير، ذلك الإنسان المرفوض في مجتمعنا، لأنه شكل حجماً من الغباء الكاسح في السياسة، بل بات ذاك الكائن المنفرد الذي تبوأ القيادة في جمعية سياسية بـ«التزكية» من غير انتخابات ولا عناء، فالغبي الآن هو الذي يتقدم الصفوف، ويقود أنصاف المتعلمين في المسيرات، وهو الذي يفتي وينظر ويتفوق في التلون والخداع.
مناسبة الحديث هو كوميديا المسخرة ومحاولات بعض الجهلاء التعليق على أحكام قضية أمين عام جمعية الوفاق المدعو علي سلمان عبر وسائل التواصل الاجتماعي «التويتر»، وكأن الأخ خبير قانوني وفقيه دستوري.
ولعلك يا عزيزي تستغرب وتتساءل كيف يمكن التشكيك في الحكم الصادر رغم أنه صادر من محكمة أول درجة؟
فأجيبك ووفق اطلاعي ومعلوماتي الفقيرة أنه لا يجوز التعليق على أحكام القضاء أو الطعن في نزاهة القضاء أو استقلاله أو التجريح الشخصي للقضاء نفسه، ولا يمكن أن يدخل ضمن منظومة حرية الرأي والتعبير، لما يترتب عليها من أضرار ومخاطر في إسقاط هيبة القضاء في النفوس، والتحريض على عدم الامتثال لأحكامه، مما يؤدي بالناس إلى الفوضى واختلال الأمن، كما ووفقاً لقوانين جميع دول العالم، لا يجوز التشكيك أو الطعن في الأحكام القضائية إلا أمام القضاء نفسه.
لكن من هو الإنسان الفطن الذي يستطيع أن يقدر ويفهم ويستوعب هذه القاعدة القانونية؟!
ففي كل حين وآخر ومناسبة غير سعيدة تتكرر فيها محاكمة أي من اتباع ولي الفقيه أو أحد من ميليشياتهم وإرهابييهم، يخرج علينا من هب ودب للتعليق حول الأحكام القضائية، وليت ذلك اقتصر على المتخصصين والقادرين على إدراك متعلقات الأحكام القضائية ومسببات الحكم وفهم منطلقاتها، بل أصبح الأمر مباحاً لكل أحد، أياً كان نصيبه من العلم، ومهما كانت بضاعته من التخصص والفهم.
قضية علي سلمان هي مجرد نموذج من الشذوذ الراقد عند أتباع ولي الفقيه، ومحاولة تغيير ملامح الجريمة من قضية جنائية إلى قضية سياسية، رغم أن المحكمة برأت أمين عام جمعية الوفاق من تهمة أكثر خطورة، وهي السعي للإطاحة بالحكم، وأدانته في جريمة التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض على عدم الانقياد للقوانين وتحسين أمور تشكل جرائم، وإهانة هيئة نظامية، حيث قضت بإدانته ومعاقبته بالحبس لمدة أربع سنوات وبراءته مما عدا ذلك من اتهامات.
ورغم كل ذلك؛ إلا أن المتخلفين فكرياً ووطنياً من عشاق العتمة، المفطورين على كره هذا البلد، يعمدون إلى حرف القضية عن موضعها، مع أن التهم تدخل ضمن الجرائم العادية، أي ليست جريمة سياسية، لأن هناك فرقاً كبيراً بين الجريمة العادية التي ترتكب بباعث دنيء وبين الجريمة السياسية التي ترتكب لغرض سياسي، بل وحتى الجريمة السياسية عندما ترتكب بباعث دنيء تتحول إلى جريمة عادية، ودون أدنى شك، وصف الجرائم المرتكبة والمتورط بها أمين عام جمعية الوفاق تدخل ضمن نطاق جرائم «القصد الجنائي»، أما محاولة إحداث ضجيج مفتعل هائل وتدويل القضية وجرها باتجاه آخر وجعلها قضية سياسية فهي محاولة للضحك والسخرية على النفس قبل الناس، وملامسة أعلى درجات الغباء.
علاوة على أن جميع من اكتوى بنار الفتنة من أبناء هذا الشعب، يدرك باقتناع أن أمين عام الوفاق ليس محرضاً للفتنة وصانعاً لها ويتبنى خطاباً طائفياً تحريضياً فحسب، كما ذكرت المحكمة في حيثياتها، بل ويلبس ثوباً مذهبياً تحت عباءة الدعوة للإصلاح والأدلة على ذلك كثيرة.
ولكن لماذا صمت الدولة المدقع إزاء محاولات الوفاقيين التشكيك في أحكام القضاء والطعن في شخوص القضاء أنفسهم؟
ذلك السؤال ربما كانت إجابته الشافية طويلة جداً، لكن رغم ذلك لا أنتظر إجابته، وأختم بالتحذير من استمرار ظاهرة التطاول والتعدي على هيبة القضاء بحيث أصبحت مطية للمتردية والنطيحة، فهيبة القضاء هي حجر الزاوية في الدستور وهي حصن الحقوق والحريات عند جميع مواطني الدولة، وإضعافه هو أخطر عوامل زعزعة هيبة الدولة، فإذا سقطت سقط البناء على رأس الجميع.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.