الرأي

قبل فوات الأوان.. أخرجوا القاطرة الإيرانية عن السكة العربية «2»

تحت المجهر



إيران اليوم ليست بالتأكيد إيران قبل عقدين من الزمان، وليست هي بالتأكيد إيران عهد الشاه، فهي اليوم تشعر أنها في قمة تألقها السياسي والنشوة والاقتدار، وهي تناور وتفاوض وتعمل ليل نهار في كسب الوقت في ملفها النووي، وتظهر مع المفاوض الجانب اللين أحياناً وأخرى تضغط بملفات مشتركة وتعرض شتى خدماتها المشروعة وغير المشروعة، ومن جهة أخرى نأت بنفسها في أن تكون خصماً للكيان الصهيوني والدول الكبرى، بل على العكس؛ فقد فسحت وسهلت لهم كل الإمكانيات منذ احتلال أفغانستان ثم العراق، مما حولها إلى شريك أمين وصديق حميم.
كما تسعى قدر الإمكان ألا تكون نداً وعدواً صريحاً لأي دولة في المنطقة، وما تخرج من تصريحات عدائية بين الفينة والأخرى على لسان مشخصي النظام أو مستشاري الرئيس وبعض ساستها ومنظريها، وأغلبها تستهدف دول الخليج العربي، ليجسوا بها نبض الشارع والحكومات، فسرعان ما تتدارك ذلك بأنه تصرف فردي ورأي شخصي ولا يمثل رأي وتوجه وسياسة الجمهورية الإسلامية، وهي حريصة على الاحتفاظ بكامل تمثيلها وطاقمها الدبلوماسي في هذه الدول، مما يسهل عليها التحرك وضبط إيقاعها.
وبموجب ذلك السيناريو المتقن؛ استطاعت أن تقنع المجتمع الدولي وكبار اللاعبين أنها قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها في رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير، وهذا هو الحاصل فعلاً.
فلها في كل بلد عربي ومسلم تمثيل يؤدي ما هو مرسوم له بدقة، وقد ورطتهم بأحبالها، فلا مجال للتنصل بعد، فلها اليد الطولى عليهم، كذلك فهي قد أعدت رجالاً نسميهم نحن الخط الثاني، وهم متأهبون حال نكوص أو كشف أوراق الخط الأول، مما يعني أنها تمسك بكل خيوط اللعبة ولا تعير كثير الاهتمام عند اختلال الأمور أحياناً.
ومؤشر الحروب اليوم ونجاحها هو ألا تقوم بقتل عدوك بيدك، بل تضطره إلى أضيق السبل بقتل نفسه بيده أو بيد أخيه وأنت تتفرج متكئاً وتحتسي كأس نبيذ أو فنجان قهوة، واعتماداً على تلك الفكرة الشيطانية؛ سارعت واتخذت هي اليوم دور الشيطان الأكبر، وتسلمت مقاليده بجدارة من خصمها التقليدي، بل رفيق دربها الأمريكي، وأراحته بعد طول عناء وبثت من يقوم بالدور عنها على أكمله في العراق بعد سقوطه من قادة حزب الدعوة ومنظمة بدر وعصائب الباطل وما يسمى بحزب الله تنظيم العراق وجيش المهدي ومنظمة بدر، وأخيراً ما يعرف بـ«الحشد الشعبي!» وغيرهم الكثير، ونفس النسخة مكررة في أرض الشام، وكذلك الحوثيون ذراعها الضارب في اليمن، ونصر الله وحزبه في لبنان، وجمعيات وأفراد ومنظمات علنية ومنها خفية في قلب الجزيرة العربية، وخلايا نائمة في باكستان وأفغانستان ومصر والسودان، بل حتى في فلسطين وسلطنة عمان.
ولم يكتفوا -هي وربيبتها أمريكا- بكل ما خططوا له لتمزيق الأمة، بل وصلت قمة تعاونهم في احتضانهم ورعايتهم لتشكيلات أخرى إرهابية أشد فتكاً وإرهاباً حتى من جيوشها ومرتزقتها، فالمشهد اليوم هو أشبه بقاطرة محطتها الأم في «قم» وتسير بالأقمار الصناعية من غرفة العمليات في البنتاغون.
ولقد انطلقت وغادرت تلك القاطرة في رحلة طويلة وهي تسير مسرعة على خط سكة في أرض مترامية عربية، وأنشأت لها عدة محطات استراحة نموذجية، وتم افتتاحها رسمياً بمباركة كبريات الشركات العالمية، أما مندوبوها وفنيوها الآن فمستمرون في التعجيل بمد المسار لتلك السكة الحلقية، فلم يعد في متناول اليد بعد غفوتنا بل سباتنا الطويل إيقاف تلك القاطرة المسرعة، والسبيل الوحيد لتعطيل الرحلة هو إزاحة خط السكة جانباً وإيقاف مد المسار، والحذر بل منع بناء محطات توقف جديدة.. واللبيب بالإشارة يفهم.