الرأي

تشخيص الأزمة.. سيناريو فيلم هندي

كلمــة أخيــرة






الأجيال الصغيرة من أبناء القرى بحاجة لتعزيز الهوية والانتماء والمواطنة البحرينية والخليجية والعربية في شعورهم وفي وجدانهم، وهنا لا تتحمل «الدولة» وحدها مسؤولية فقدان تلك الدعائم والقوائم في وجدان هذه الأجيال، بل تتحمل أسرهم ومؤسساتهم التي تعمل في محيطهم الجغرافي أي في قريتهم مع الدولة المسؤولية وتتقاسم معها أسباب الأزمة.
المسجد والمأتم والنادي والحزب والصحيفة هي المنابع التي يستقي منها الفرد دعائم الانتماء، وكلها مع الأسف منابع نزعت دعائم الانتماء البحريني الخليجي العربي، وزرعت في عقول أجيال جداراً عازلاً بينها وبين بقية الجماعات وبينها وبين القواسم المشتركة التي تجمعهم معها وبينها وبين مؤسسات الدولة وقانونها.
أياً كانت مسؤولية «الدولة» القاصرة، فإن إقرار الآخرين بمسؤوليتهم سيمكننا جميعاً من إعادة رسم العلاقة بين الاثنين، إنما لو اقتصر التلاوم على تحميل «الدولة» وحدها مسؤولية العلاقة السلبية ونأت تلك المنابع بنفسها وأنكرت مسؤوليتها فإن يداً واحدة لن تصفق وإن جهداً من طرف واحد لن يحقق تطوراً في هذه العلاقة، وما يفعله اليوم «منظرو» تلك الجماعة هو هروب للأمام، وإنكار للمسؤولية بإلقائها إما على الدولة أو على «الحقودين الحسودين»!!
الواقع أن هناك علاقة متأزمة بين جيل ولد منعزلاً منكفئاً غير متصالح مع الدولة لأسباب تتعلق بعضها بتقصير الدولة، وقد أسهبنا كثيراً في عدة مقالات حول طبيعة ذلك التقصير، وأولها غياب الرؤية الوطنية الشمولية وترجمة تلك الرؤية في برامجها وخططها وميزانيتها، إنما لا بد أن تتحمل المنابع الأخرى «الأسرة والمأتم والنادي والجمعية السياسية والصحيفة» المسؤولية مع الدولة، فتلك المنابع هي مصدر للشحن اليومي الذي يعمل على تقوية الجدار العازل.
جيل يعيش صدمة حضارية عند أول احتكاك مع الآخر في الجامعة على سبيل المثال، تخيلوا إنساناً يمضي 18 سنة من حياته في عزلة جغرافية وعزلة نفسية ويضطر أن يتعاطى مع الآخر تعاطي الشراكة الحتمية الملزمة في كونه طالباً، فهو «مضطر» أن يتزامل و«مضطر» أن يدرس من قبل إنسان من مذهب آخر ومن عرق آخر، والذي كان يتقاسم معه الوطن، إنما في عزلة عنه، «للعلم الجامعة بها أكثر من 23 ألف طالب وطالبة» أنت ترى هنا البحرين مصغرة، وتعايش ملامح تلك الصدمة التي يعيشها أبناء هذه الجماعة بتلك الصعوبة بالاندماج وبالاحتماء، بالمثيل المذهبي وإعادة التموضع هناك، ترى ملامح الأزمة بعلامات الدهشة المستمرة من كل بادرة طيبة تبدر من الآخر «الغريب».
صعب بعد 18 سنة أن تعيد دمج الاثنين، ومن لم يصل منهم إلى الجامعة بقي معزولاً في محيطه الخانق، هذه المئات التي تشمر بنطالها وتلثم وجهها بـ«تي شيرت» قديم وتحمل المولوتوف، لم تتح لها الفرصة أن تختلط بالبحريني الآخر، هي على اتصال عبر الإنترنت بلبناني أو عراقي من جماعتها أكثر من اتصالها بأي بحريني يبعد عنها بضعة كيلومترات، فكيف إذاً بطبيعة الاتصال بـ«الدولة»؟ إنها شبه معدومة إن لم تكن معدومة تماماً.
مبادرات الدولة المتواضعة في بعض الوزارات كالمخيم الصيفي لوزارة الداخلية أو بعض مبادرات التنمية الاجتماعية، مبادرات مبتسرة مقطوعة الصلة ببعضها البعض، إنما هي محاولات يشكر عليها أصحابها، لكنك بالمقابل لا ترى شيئاً من الطرف الآخر.
مشكلة أبناء هذه الجماعة ليست مع الجماعات الأخرى فحسب، بل مع «الدولة» بمؤسساتها، بقانونها، بدستورها، بعلمها، بعيدها الوطني، بكل رمزياتها.
رفضت هذه الجماعة أن تتعاطى مع الدولة منذ أيام الدراسة الأولى، لا في علم مدرسي، ولا في عيد وطني، ولا في مناسبة بحرينية أو خليجية أو عربية.
إنما أبناء الجماعات الأخرى -حتى التي تجنست منها- يستقون دعائم الانتماء من محيطهم الاجتماعي وهو محيط متصالح مع مفهوم الدولة، لذا فإن التشخيص السطحي لأزمة العلاقة السلبية بين الدولة وبين أبناء هذه الجماعة، وحصره بالمشاعر وبتجار الأزمات ووو وبأسباب تعود للبغض والحقد والكراهية والحب ووو، هو تشخيص يصلح لسيناريو فيلم هندي حزين بكائي لطمي، تشخيص سطحي يهرب به صاحبه للأمام من أجل إخلاء المسؤولية ورميها على أي طرف آخر والسلام.