الرأي

اللجان الشعبية.. وهل كنا بحاجة لكل هذه الدماء؟!

ورق أبيض




جميل جداً كان الخطاب التصالحي الذي انتشر في وسائل الإعلام المختلفة، التقليدية والحديثة، بعد تفجيري مسجد «الإمام علي» في القديح ومسجد «العنود» في الدمام، فقد أجمعت صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعية على إدانة هذه الأعمال الإرهابية، التي لا تمت بصلة لقيمنا العربية أو ديننا الحنيف.
توازى هذا الخطاب مع خطاب آخر كان أكثر تفاؤلاً بدعوته إلى توحيد الصفوف ونبذ الفرقة والخلاف، والتأكيد على وحدة الشعوب من مختلف الطوائف والمذاهب والأعراق، بل ذهب كثيرون إلى إطلاق دعوات للصلاة الجامعة بين الطائفتين، لتوصيل رسالة إلى الجماعات الإرهابية أننا جميعاً، سنة وشيعة، سنقف لكم بالمرصاد.
كل ما تقدم جميل للغاية، ويؤكد على أن شرائح كبيرة من الطائفتين تنبذ العنف والإرهاب واستهداف الآمنين المطمئنين ولكن؛ هل كنا بحاجة لسقوط كل هؤلاء القتلى لنتنبه إلى ضبط خطابنا الطائفي، والذي انتشر في الآونة الأخيرة، وتبناه كثير من السياسيين والمفكريين ورجال الدين، وحتى الإعلاميين؟ هل كانت صور ضحايا القديح والدمام أكثر إيلاماً من مشاهد الآلاف من القتلى، سنة وشيعة، طوال سنوات في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ وهل كان استيقاظنا لنتنبه إلى خطر الإهاب فقط عندما وصل إلى مشارف بيوتنا ومساجدنا واستهدف أبناءنا؟
لست معنياً في هذه المقالة بتحليل أو تفسير الخلفيات والنتائج السياسية للحدث ومن يقف وراءه من دول أو تنظيمات أو أفراد، فهذا الأمر قد غرقت فيه كثير من الصحف والقنوات والإعلاميين، لكني أتحدث اليوم عن حالة إنسانية وضمائر استيقظت متأخرة لتدعي أنها ضد الطائفية والفرقة، رغم أن جميع خطاباتها، وطوال سنوات، كانت تقطر سماً طائفياً وشحناً مذهبياً.
لسنا اليوم في وارد محاكمة أحد أو محاسبته، فالتاريخ سيكون أكثر عدالة، ولكن استغرابنا من تلون الوجوه وتغيير الأقنعة، وجوه احترفت اللعب على كل الحبال، والتسلق على ظهر حاجات الناس ودغدغة مشاعرهم والضرب على أكثر الأوتار حساسية عندهم، الدين والطائفة والمذهب.
الإرهاب بكل أشكاله وأصنافه وألوانه مدان، وبغض النظر عن مرتكبه ومموله ومنظريه والمستهدفين منه؛ هذه قاعدة طبيعية لضمير طبيعي، أما أن تتلون الإدانات والرفض تبعاً للمستهدفين؛ فهذه قمة السقوط الأخلاقي ولا تتوافق مع أية فطرة إنسانية سوية، فالاستهداف الحقيقي في العمليات الإرهابية ليس لطائفة، سنية أو شيعية، إنما استهداف لمعنى الدولة وقيمة الوطن، استهداف لمستقبل أبنائنا وقيمنا، هو محاولة لهدم كل الروابط بين أبناء الوطن الواحد وخلق أوطان جديدة أكثر انقساماً وتفرقاً.
- ورق أبيض..
بعض الدعوات التي انطلقت في السعودية والبحرين عقب التفجيرين الإرهابيين، والتي تدعو إلى تشكيل لجان شعبية لحماية المساجد والمآتم، هي أولى محاولات شق الصف الوطني، وهي بداية الطريق لحرب طائفية طاحنة، لن توفر الأخضر أو اليابس، وشرعنة لإنشاء مزيد من الميليشيات والجماعات الإرهابية.
فهل نكون أكثر وعياً ونفهم ما بين سطور تلك الدعوات؟.