الرأي

«توجيه الدعم».. القصور في الفهم والمشكلة في الإقناع!!

في الصميم




لعلك لاحظت كيف انتفضت وسائل التواصل الاجتماعي منذ الأسبوع الماضي عن بكرة أبيها غضباً واستهجاناً وكمداً على قرار توجيه الدعم الحكومي عن اللحوم، والسبب أن المواطن البحريني استشعر وللوهلة الأولى أن شعار "لا مساس بحقوق المواطنين المعيشية" أصبح في خبر كان، فكثرت "الحسبنات" وزادت الآهات و"الونات" والسبب هو قصور في إيصال المعلومة وبشكل واضح ومباشر إلى المواطن.
نحن مع، ولسنا ضد توجيه الدعم الحكومي إلى مستحقيه، بل كنا أول من طالب وألح بمنع تسرب الدعم الموجه لهذه السلعة إلى غير مستحقيها، وكنا نشدد على تطبيقه بأسرع وقت، خاصة مع ما تشهده المنطقة من تحديات اقتصادية صعبة جراء انخفاض سعر البيع العالمي للنفط.. ولكن!!
ماذا كان سيحدث في البلاد ولكثير من العباد لو أن المسؤولين في وزارة التنمية الاجتماعية تعاملوا مع قرار الحكومة بعيداً عن النمط التقليدي والمعتاد عبر توزيع بيانات وتصريحات جاهزة ومكتوبة على الصحف، تكشف ولا توضح أرقاماً مبهمة وغير مفهومة؟!
قل لي بالله عليك؛ ما هي المشكلة التي تمنع المسؤول من الخروج على الناس عبر جهاز التلفزيون مثلاً، فيقوم بتقديم شرح واضح ومفصل عن أهمية توجيه الدعم، بل ويفتح خطوط الهاتف ويدخل في حوار حضاري مع المواطنين، وبذلك نشرك المواطن في صياغة قرارات توجيه الدعم، فنقطع الشك باليقين ونبدد كل المخاوف التي انطلقت إثر اللبس في فهم القرار؟!
صدقني، لو فعل ذلك، لما حدث كل هذا اللغط والقيل والقال وكثرة السؤال، ولوجدت من جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، كماً من المدافعين بعقلانية عن القرار نفسه، وكماً من الكتاب كنت ستقرأ لهم مقالات يستدعون فيها تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
يقول فيلسوف سقط اسمه من ذاكرتي: "إذا أريت الناس المشكلات والحلول فسوف يدفعهم ذلك للعمل"، لكن في ما يبدو، والله أعلم، ألا أحد يريد أن يتعلم من الدروس التي يلقنها لنا مثل هذا الفيلسوف، ولذلك تتكرر من حين لآخر أخطاؤنا بحذافيرها!!
يا سيد.. السر يكمن في التسويق والإقناع.
مشروع توجيه الدعم ممتاز، ولكن المشكلة في أدوات الإقناع، الكثير من المسؤولين ينحرون قلوبهم ويعكرون مزاجهم ويضيعون أوقاتهم ويفشلون في الإقناع، وهذا ما يجعلنا دائماً لا نتقدم شبراً إلى الأمام، فبدلاً من التعامل مع المواطن بسياسة الأمر الواقع وصيغة "عملنا"، يفيق من النوم الصبح ليفاجأ بقرار لا على البال ولا على الخاطر، وبطريقة تشي وكأن من بيدهم الأمر يعتبرون المواطن مرفقاً عاماً "وزناً زائداً"، فليكن الأسلوب برقي وفق تحول مغاير للنمط التقليدي في التفكير، وليكن الباعث الأوحد هو الخوف على مصلحة المواطن، بصيغة "عزيزي المواطن لأجل مصلحتك سنعمل"، وصدقوني، حينها ستختلف النتائج وبشكل مفاجئ.
لا أريد أن أبدو مغرماً بالتبسيط، لكن صدقني لا يوجد ما هو أبسط ولا أكثر إقناعاً من التعامل مع المواطن بشكل مباشر. نحن للأسف نعاني من مواطنين لا يكتفون بتصديق الشائعات فقط؛ بل وترويجها وتوزيعها، وفق مبدأ "انشر ولك الأجر"، ولا يدرون أنهم بذلك يقدمون أكبر خدمة للمتصيدين في الماء العكر، فأخطر ما تواجهه الشعوب وقت الأزمات هو الشائعات، بل وتعد من أخطر مراحل الأزمة، وأنتم ترون أن جهاز إطلاق الشائعات عند جماعة ولي الفقيه يتحين الفرصة ويعد العدة، فبمجرد أن تسري شائعة يستغلها أبشع استغلال لتقليب الرأي العام على الدولة، بل ومسموح لهم أن ينشروا مثل هذه "الفبركة" في مواقعهم وصحيفتهم؛ بل ويتندروا عليها في مقالاتهم.
ما هي المشكلة الطبية أو العقلية أو النفسية التي تمنعهم من إدراك إمكانية أن تكون معارضاً للحكم نزيهاً وشريفاً، ولكن ليس مضراً بمصلحة وطنك أو شامتاً وخائناً؟