الرأي

«شـوربة لـحم..»!!

أبيــض وأســود



لا أعرف لماذا أشعر أن مجلس النواب -أو بعض الأعضاء- أصبحوا مهوسين بـ «الأنا»؟ لماذا تجعلون هذا الانطباع يتسرب إلينا؟ فمن بعد مطالبات برفع سقف التقاعد أتى مشروع قانون تجريم من ينتقد مجلس النواب!
ماذا حدث يا أخوتنا بالمجلس؟ هل فرغتم من مشاكل وقضايا المواطنين وأزماتهم حتى تذهبوا إلى تضييع الوقت والجهد في مشاريع «الأنا» ومشاريع تخصكم أنتم ولا تخص شعب البحرين؟
لديكم جلسة واحدة في الأسبوع، وبعد كله غياب، وفي نهاية الأمر لا تناقشون ما يريده المواطن، وتذهبون باتجاه وضع قوانين ومشاريع تخصكم أنتم، حتى لا ينتقدكم أحد؟
إذاً أين بيت الشعب وحرية الرأي وأنتم تطالبون بالحريات، وأنتم من تمنعون الحريات والنقد.. «ما لكم كيف تحكمون»!
في الوقت الذي يشغل الناس موضوع رفع الدعم عن اللحوم، وبرغم أن بهذا القرار إيجابيات من حيث توجيه الدعم للمواطن، إلا أن مجلس النواب منشغل بأمور أخرى.
قرأت تصريحات أكثر من نائب حول موضوع اللحوم، وكلها وجميعها ذهبت وصبت جام الغضب على وزير بعينه، وقالوا إنه نقض اتفاق «كلام» بين النواب وبين الوزير حين وعد بعدم المساس بمكتسبات المواطنين.
غير أنه إذا ما كان هذا الأمر صحيحاً، فإن اللوم على السادة النواب كسلطة تشريعية، كيف أن الاتفاق معكم لا قيمة له.
يقول أحد الأشخاص الذين عملوا لمدة طويلة مع الأمريكان، يقول إنه تعلم من فترة عمله معهم مبدأ: «إذا اتفقت مع جهة أو شخص، ضع نقاطك ووثق الاتفاق، واجعل الطرف الآخر يوقع عليها».
الاتفاق بين النواب ووزير المالية اتفاق «جنتل مان» لكن هذا الاتفاق لم يتحقق، ولم يكن اتفاقاً مكتوباً، وبالتالي من حق أي طرف عدم الأخذ به، فلا إلزام باتفاق شفهي اليوم.
شخصياً أتفق مع توجيه الدعم للمواطن فقط؛ لكن الأمر يحتاج لضوابط كثيرة، ويحتاج لنظرة وطنية إلى الأمر، ويحتاج لتلمس معيشة الناس بشكل واقعي، فحين تصرح وزيرة التنمية الاجتماعية وتقول إن 14 ألف مواطن سيشملهم دعم اللحوم، فهذا يعني أن الدعم أيضاً سيوجه نحو من يحصلون على كل الدعم، ويترك أصحاب الطبقة الوسطى، وكأن الدولة تريد تحويل الطبقة الوسطى إلى طبقة فقيرة ومحتاجة.
لم أناقش قيمة دعم اللحوم للفرد بعد، لكني أريد أن أطرح نقطة -كثيراً ما طرحتها هنا- وهي أن توجه الدولة نحو الطبقة الأدنى وترك الطبقة الوسطى التي تعاني كثيراً من قرارات الإسكان وقرارات رفع الدعم، وقرارات حصر معونة الغلاء على الضعاف فقط، فإن في هذا التوجه خطورة كبيرة آنية ومستقبلية ربما لا تراها الدولة، أو أنها تراها ولا تُقدر خطورتها.
هناك اليوم خطورة كبيرة في توجيه الدعم وإعطائه لمن يستحق معونة الغلاء فقط دون غيرهم، الدولة اليوم تطحن الطبقة الوسطى، تفعل ذلك من جهتها، تأتي قرارات وقوانين مجلس النواب -مع عميق الأسف- من جهة أخرى.
ذهبنا ببيوت الإسكان باتجاه معين، وحرمنا أهل البحرين المستحقين لها من هذه الخدمة، وقلنا لهم «يا أخي أنت غني راتبك فوق 900 دينار روح اشتر لك بيتاً، أو اقعد في حجرة ببيت أبوك»، فكيف لمواطن راتبه 900 دينار أن يشتري بيتاً؟
بيوت الإسكان ذهبت باتجاهين اثنين، أحسبكم تعرفونهما، وتركت الهدف الحقيقي وهم أهل البحرين المستحقون لها، واليوم نفعل ذات الأمر مع دعم اللحوم، وهي 5 دنانير للبالغ في الشهر كما نشر..!
والله لا أعرف ماذا أقول عن قيمة دعم اللحوم والتي ستذهب لمن يستحق معونة الغلاء فقط «5 دنانير للبالغ 2.5 لغير البالغ»، والله إن قيمة الدعم تفشل، أخشى أن يسمع عنها إخوتنا في الخليج ونصبح مثاراً للسخرية.
ربما قيمة تعويض المواطن المستحق لمعونة الغلاء بـ 5 دنانير عن الفرد قصد منها قيمة بترول السيارة من البيت إلى السوق؛ بمعنى أنها ستصبح بدل دعم مواصلات لشراء اللحوم..!!
اطلعت على تصريحات الأخ وزير المالية التي وصلتني وأنا أكتب العمود الآن، والتي يقول فيها: «إن الدعم سيشمل الجميع، وإن رفع الدعم لن يؤثر على سعر شراء المواطن للحوم».
غير أني لا أعرف كيف ستتحقق هذه المعادلة «رفع الدعم عن اللحوم / والأسعار لن تتأثر»؟
عبارة غير مفهومة تماماً، أو بالأحرى غير واقعية بلغة السوق، ولا أعرف كيف يمكن تحقيقها على أرض الواقع.
من أخطر ما يحدث اليوم ويقع على المواطن البحريني أن توجهات الدولة وقراراتها تأتي على رأس أهل البحرين، بيوت إسكان ومعونة غلاء، وبدل إسكان، ودعم لحوم، والكثير من القرارات الأخرى التي يحرم منها أهل البحرين، وهذا يظهر غياب الرؤية الوطنية للقرارات التي ستضرب أهل البحرين قبل غيرهم.
طحن الطبقة الوسطى أمر في غاية الخطورة ومدمر على مستقبل البحرين، ولا يجب أن تستمر الدولة في هذا الاتجاه، كل شيء يصب في اتجاه دعم من تقل رواتبهم عن 900 دينار، أو أحياناً عن 600 دينار، وبالتالي فإن الميسورين لن يتأثروا بقرارات رفع الدعم، والبسطاء سيحصلون على تعويض «بدل مواصلات لشراء اللحم»!
بينما الطبقة الوسطى لن يطالها شيء، وسنحولها بقرارات الدولة ومجلس النواب إلى طبقة محتاجة، لكن هذه الطبقة المحتاجة لا تحصل على بيت إسكان، ولا تحصل على أي تعويضات للغلاء وارتفاع الأسعار.
من الواجب النصح؛ لذلك أقول إن هذه القرارات لا تحتاج خبراء من الخارج، الخبراء من الخارج لا يفهمون البحرين وطبيعة البحرين، فهم يضعون أرقاماً مقابل أرقام دون معرفة طبيعة التركيبة السكانية، من هنا فإن أي دراسات يجب أن يضعها «مواطن بحريني عجن بهذه التربة» حتى تخرج القرارات برؤية وطنية تعطي كل مستحق حقه.
** رذاذ
على ربات البيوت تعلم طرق طهي (شوربة اللحم) من أغسطس القادم، وعلى الأمهات أن يشتروا بـ 5 دنانير لحماً «يعني كيلو وربع الكيلو لكل واحد من العيال» ويضربون اللحم في الخلاطة، حتى تطبخ شوربة لحم لكل فرد في البيت بشكل منفصل «وفي جدر بروحة» من أجل أن يبقى طعم اللحم في ذاكرة كل الأبناء طوال الشهر..!
أتوقع أن تصبح هناك بعض الطوابير على محلات «الباجة»، ونصبح مثل دولة عربية في طابور الجمعية.. «على الأقل باجه..العوض ولا الحريمة».. اشفيها الباجة حلوة ومغذية، وفيها شوية لحم «ساطر» وفيها اللسان، «اكلوا اللسان بس قصوا السانكم»..!
الدولة خايفة عليكم والله من الكولسترول، يعني رفع الدعم من أجل صحتكم أولاً!
** غياب الرقابة
على الأسواق
من أكثر الأمور المزعجة بالبحرين هي غياب الرقابة الحقيقية على الأسواق، سواء من قبل وزارة الصناعة أوالصحة، أوالعمل، أوهيئة سوق العمل.
موضوع الرقابة على الأسواق وإحالة المفسدين أو من يغشون في الأسعار، أو من يغشون في بيع كل ما يؤكل وهو فاسد، أمر خطير جداً، ولكننا في البحرين لدينا أسواق دون رقابة صارمة، ودون أن تشاهد أو تسمع عن المحلات التي تغش وتغلق ويعلن عن غلقها أمام الجميع، حتى يعرف أن هذا المحل أو السوبر ماركت يغش في الأسعار أو في البضائع..!
بصريح العبارة الأجانب «يلعبون لعبتهم في الغش وفي التلاعب بالأسعار»، لكن الرقابة ضعيفة جداً، من أجل ذلك يتلاعبون.
وإذا كان وزير المالية يقول إن الأسعار لن تتغير، ولا أعلم كيف لن تتغير مع رفع الدعم، فإننا نقول للوزير؛ يا سعادة الوزير.. ليس هناك رقابة على الأسواق والتلاعبات والغش يضربان أسواق البحرين، قبل أن تتخذوا إجراءات لرفع الدعم أحكموا الرقابة على الأسواق، وقدموا المتلاعبين والغشاشين للنيابة العامة.
لا توجد دولة تضع 5 أشخاص لتراقب كل أسواقها، هؤلاء لا يستطيعون مراقبة سوق صغيرة!
دائماً ما نتخذ خطوة قبل الأخرى.. أنت عزيزي في البحرين.