الرأي

كامب ديفيد.. والرقم الصعب

تحت المجهر




تعمدت أمريكا اختيار مكان وزمان تحوم حولهما الشبهات لعقد القمة الخليجية، فالمكان هو منتجع كامب ديفيد الذي يمثل عنوانه نكسة للعرب والمسلمين، عندما ارتضى السادات عام 1978 مد يده لمصافحة المجرم مناحيم بيغن وتوقيعه اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني تحت إشراف ورعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. ذلك الكيان الذي لا يفقه معنى السلام ولا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني والعرب قاطبة، ولم نحصل من ذلك الاتفاق إلا المزيد من الحروب والقتل والاستعلاء والتمدد الصهيوني.
أما التوقيت فليس أقل إيذاءً من المكان؛ حيث يصادف ذلك يوم النكبة (15/5/1948) الذي تمثل ذكراه أكثر الأيام إيلاماً للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، حيث شرد مئات الآلاف من أراضيهم وتحويلهم إلى لاجئين وتم هدم وتجريف ما يربو عن 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية وتحويلها إلى مدن ومستوطنات يهودية.
يسعى أوباما ووزير خارجيته كيري، مهندس اللقاء وعرابه، لمسك تفاحتين بيد واحدة، والجمع بين النقيضين في المحافظة على مصالحهم النفطية وتمكين إيران والكيان الصهيوني من رقبة المنطقة.
وفي المنظار الخليجي يعتبرها المحللون والمتابعون أنها من أنجح القمم، حيث أثبت القادة والمفاوضون الخليجيون بحزمهم وحكمة تصرفهم أنهم الرقم الأصعب في المعادلة، والذي يستحيل على الإدارة الأمريكية والغرب بعد اليوم تجاوزه.
فالوضع الإقليمي والدولي لم يعد تحت سيطرة أمريكا، ولم تعد هي القطب الأوحد والقوة المتحكمة في العالم.
وقادة الخليج قد أدركوا ذلك مبكراً، والمفاوض الخليجي قدم وفي جعبته الكثير ولم يجلس أمام المفاوض الأمريكي هذه المرة ليلقن أو ليومئ برأسه.
فمنذ أن انطلقت عاصفة الحزم والتي تمثل بداية التاريخ المفصلي ونقطة التحول في السياسة الخليجية الخارجية؛ لم يعد من السهل بعد اليوم استرضاء المفاوض الخليجي وإعادته إلى المربع الأول، ولم يعد بإمكان أمريكا ولا غيرها من الدول المسوقة لإيران ومشروعها النووي وأجندتها في المنطقة إقناع القيادات الخليجية باعتدال سياستهم الواضحة العرج والعمى والمائلة عن جادة الصواب!
فقد ولت تلك السياسة الخادعة الماكرة إلى غير رجعة، فلا مصداقية أبقوا لهم ولا سمعة دولية، ولا مواثيق ستبرم معهم بعد اليوم دون ضمانات، وألغي مبدأ التعامل بحسن النية والانتظار تحت ذريعة عمق الإستراتيجية الأمريكية وأهدافها غير المرئية وقراءة مابين السطور، فكلها كانت مراوغات ومهدئات.
فقد ثبت بالملموس أن السياسة الغربية، وبالذات الأمريكية، كلها خداع ومصالح ومستعدة للتخلي عنك، بل بيعك لأقرب مزاد وبأبخس الأثمان.
لكن صلابة المفاوض في القمة واستمرار تماسك الحلف العربي في عاصفة الحزم والبدء في تشكيل تحالفات جديدة هو أقوى رد تم إيصاله إلى أوباما وإدارته.
لم تجلب لنا السياسة الأمريكية منذ عقود مضت سوى الخراب والدمار والتسويف، وأماتت الحق الفلسطيني وجعلته ليس من أولويات العرب، بعد أن زرعت في كل بلد ما يلهيه ويقض مضجعه في تهديد وتقويض أمنه من داخله، واستبدال الأنظمة الدكتاتورية بأنظمة أسوأ منها، وعمدت إلى زرع الطائفية والإرهاب وغذتهم ومزقت بهم النسيج الاجتماعي وملأت المعمورة بملايين النازحين واللاجئين والمشردين، ولم تكتف بتقوية الكيان الصهيوني فحسب؛ بل تسعى اليوم لتطويقنا بعدو أشد إيذاءاً وحقداً منه!
فليس من الحكمة بعد اليوم الإبقاء على حليف يغدر بنا عند الحاجة إليه ويكشر عن أنيابه في الملمات والشدائد، والحديث النبوي الشريف يقول (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
ويا للأسف لم يبق مكان فينا إلا وقد امتلأ من اللدغ، بل نحن اليوم في مرحلة النهش والتمزيق..
فهلا اتعظنا ؟!