الرأي

ست الحبايب.. قصة أغنية لحنها الوفاء

بنــــــــــادر


لكل أغنية قصة، ولكل قصة حدث، ولكل حدث مؤثر ما يقوم بتحويل الفكرة إلى فعل يخترق الزمان والمكان ليبقى خالداً، مثل السماء، يتحول ما تحتها وفوقها وأمامها وخلفها وهي باقية إلى يوم الدين.
الأغنية الرائعة «ست الحبايب» من الأغاني الخالدة، والتي سوف تبقى بكل ما تحمل من معاني سامية لكل الأجيال وكل الناس فوق الأرض، يقول من كتب سبب كتابتها؛ إن لأغنية ست الحبايب قصة قد تبدو غريبة لمشوار تأليفها وتلحينها وغنائها، فكتابتها لم تستغرق أكثر من خمس دقائق، ففى بداية الستينيات من القرن الماضى وفي عيد الأم ذهب الشاعر الغنائى الكبير حسين السيد في زيارة إلى أمه في ليلة عيد الأم، وكانت تسكن في أحد الأحياء الشعبية في الدور السادس، وبعدما صعد السلم ووصل لشقة والدته اكتشف أنه نسي شراء هدية لأمه بهذه المناسبة، وكان من الصعب عليه نزول السلم مرة أخرى.
فوقف على باب الشقة وأخرج من جيبه قلما وورقة وبدأ يكتب هذه الكلمات ليهديها إلى أمه في عيد الأم، وقد كتب ما يلي وبشكل تلقائي وبدون مسودة مبدئية: ''ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحي ودمي.. يا حنينة وكلك طيبة يا رب يخليك يا أمي.. ست الحبايب يا حبيبة.. أيام وتسهري وتباتي تفكري وتصحي من الآذان وتقومي تشقري.. يا رب يخليك يا أمي يا ست الحبايب يا حبيبة يا حبيبة''.
ثم طرق حسين السيد باب الشقة وفتحت له والدته وبدأ يسمع كلمات الأغنية، ففرحت بها جداً، ثم وعدها على الفور بأنها سوف تسمعها في اليوم التالي في الإذاعة المصرية بصوت غنائي جميل، وقال السيد هذا بشكل عفوي دون أن يعرف كيف سيفي بهذا الوعد.
ثم اتصل حسين السيد على الفور بالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب وأعطاه كلمات الأغنية على التليفون، فأعجب عبدالوهاب كثيراً بكلمات الأغنية وقام بتلحينها في بضع دقائق، ثم اتصل بالمطربة فايزة أحمد لتحضر عنده وأسمعها الأغنية وتدربت عليها وحفظتها.
وفي صباح اليوم التالي، 21 مارس ذكرى عيد الأم، غناها في البداية محمد عبدالوهاب على العود فقط، ومع نهاية اليوم كانت فايزة أحمد قد غنتها في الإذاعة بالتوزيع الموسيقي، وبذلك أوفى حسين السيد وعده لوالدته، وربما هذه العفوية والصدق الذى يملأ الأغنية هو سر نجاحها لأكثر من 50 عاماً، حيث تحتفل بيوبيلها الذهبي هذا العام كأهم أغاني عيد الأم على الإطلاق، تقول كلمات حسين السيد..
ستّ الحبايب يا حبيبة..
يا أغلى من روحي ودمي
يا حنينة وكلّك طيبة
يا رب يخلّيكي يا أمي
يا رب يخلّيكي يا أمي
يا ست الحبايب يا حبيبة
زمان سهرتي وتعبتي وشيلتي من عمري ليالي
ولسة برضو دلوقتي بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الأذان وتيجي تشقّري
يا رب يخلّيكى يا أمي
يا ست الحبايب يا حبيبة
تعيشي ليّا يا حبيبتي يا أمي ويدوم لي رضاكي
دا أنا روحي من روحك إنتي وعايشة من سرّ دعاكي
بتحسي بفرحتي قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي من قبل ما احسها
يا رب يخلّيكى يا أمي
يا ست الحبايب يا حبيبة
لو عشت طول عمري أوفّي جمايلك الغالية عليّا
أجيب منين عمر يكفي والاقي فين أغلى هدية
نور عيني ومهجتي وحياتي ودنيتي
لو ترضى تقبليهم دول هما هديتي
يا رب يخليكى يا أمي
يا ست الحبايب يا حبيبة يا حبيبة
إن هذه الأغنية والكثير من الأغاني الأخرى النابعة من قلب الشاعر تستطيع أن تكون نموذجاً لعملية الكتابة التي تتفجر بصورة تلقائية، لذلك تؤثر فينا وتعطينا المعنى الأسمى لتدفق المشاعر الإنسانية، وفي تصوري إن مثل هذه الكلمات الصادقة قادرة على الوصول إلى كل قلب في العالم، مخترقة اللغات والأجناس والقوميات والتقاليد والأعراف، لأنها ابنة القلب، وما يخرج من القلب يصل إلى القلوب الأخرى دون عوائق ودون استئذان.
لتكن كلماتنا الصادقة الخارجة من قلوبنا هي تذاكرنا في دخول قلوب جميع الناس في العالم.