الرأي

تعبنا من المشي بين حقول الألغام..!

أبيــض وأســود


أن تكون هناك صحافة حرة في أي بلد؛ فهذا دليل تحضر ورقي وتطور في المجتمع، الصحافة الحرة هي حاجة ملحة وضرورية للمجتمعات التي تنهج تصحيح أخطائها بنفسها من خلال قوة الصحاقة وتأثيرها وصدقها.
في تقديري فإن الصحافة الحرة توازي، إو ربما تتقدم، على البرلمان في طرحها للقضايا الوطنية وملامستها لهموم الناس والتعبير عن صميم معاناتهم، وأحسب أن الصحافة بالبحرين، ولله الحمد وبفضل استجابة المسؤولين والحكومة الموقرة، تحقق إنجازات وطنية في تحريك الملفات وإيجاد الحلول لقضايا المواطنين، وهذا أحياناً يحتاج لأشهر أو أكثر ليرى النور في البرلمان، لكن في الصحافة قد تحدث الاستجابة سريعاً.
حين يخص جلالة الملك -حفظه الله- الصحافة بكل هذا التقدير والاحترام والمكانة فليس هذا بغريب على جلالته؛ ففي عهده بدأت الحريات الصحفية تأخذ أبعاداً أكبر وآفاقاً أرحب، وفي عهد جلالته لم يسجن صحافي على خلفية رأيه السياسي، وهذا الأمر يشكل وساماً على صدر البحرين، ففي دول كثيرة لا يمكن لأصحاب الرأي أن يقولوا نصف ما نقوله في صحافتنا وبشفافية تامة.
في الأزمات يظهر الدور الوطني للصحافة الوطنية في أي بلد، ولله الحمد ظهر معدن الصحافة البحرينية وكتابها خلال أكبر أزمة مرت بالبلاد في تاريخها الحديث، وفما فعلته الصحافة إنما هو واجب عليها تجاه الوطن والسيادة والشرعية، وتجاه محاولات الانقلاب التي تتكسر (ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعد) على صخر السياج الوطني لأهل البحرين جميعاً.
خلال فترة مؤلمة من تاريخ البحرين الحديث (في 2011) كان للأمير خليفة بن سلمان -حفظه الله- موقف كبير مع الوسط الصحافي الوطني، وكان من أكبر الداعمين للخط الوطني في وجه الصحافة الصفراء محلياً وخارجياً، موقفه لا ينساه أهل الصحافة، هذا الأمر نقدره لسموه، فقد قال لنا كلمات كانت تشبه الوقود والبلسم في آن واحد، كنا بحاجة لكلمة تقدر عملنا.
أجدني وفي مناسبة اليوم العالمي للصحافة أطرح هموم أهل الصحافة بالبحرين، فرغم الخطورة على الأصوات الوطنية بسبب موقفها من الأزمة إلا أن مازال غالبية الصحافيين من غير تأمين صحي، كما أن جمعية الصحافيين تعاني قلة الدعم.
أعتقد أن التأمين الصحي للصحافيين وأسرهم أمر هام جداً، وقد سمعنا كلاماً طيباً بخصوص هذا الموضوع؛ إلا أن شيئاً لم يحدث على أرض الواقع، وهذا مؤسف.
هناك من يسدد فاتورة باهظة الثمن بسبب موقفه الوطني من الجسد الصحافي، وكأنه ارتكب خطأ فادحاً حين وقف مع وطنه، ومع سيادة الوطن وشرعية الحكم، فهل هذا يرضي أصحاب القرار؟
الهموم كثيرة وكبيرة، فقد تعطل كثيراً قانون الصحافة أو ما يسمى بالمرئي والمسموع، ولا أعرف حتى الساعة هل هذا القانون يدعم حريات الصحافة أم يكبلها ويجد لها مخارج أخرى لحبس الصحافيين، وهنا لا بد من التفرقة بين حرية الرأي السياسي وما يمارس من تعدٍ على حرية الأشخاص في المجتمع؛ الرأي السياسي لا يجب أن تكون عليه عقوبة، أما التعدي على رب العزة والجلال أو التعدي على الدين وسب وشتم آل بيت الرسول أو صحابته فلا تسمى هذه حريات، ويجب أن تكون لها عقوبة.
أعتقد أن أوضاع الصحافيين المعيشية والوظيفية يجب أن ينظر إليها بعين الاعتبار، فالصحافي بالبحرين أقل الصحافيين مكاسب ربما في دول الخليج والوطن العربي، فحتى الصحافي في مصر لديه حقوق وامتيازات أكثر مما لدينا في البحرين.
في كل العالم هناك تخفيضات للصحافيين على تذاكر السفر ووسائل النقل، كما أن الصحافيين في أغلب الدول يصبحون شركاء في أرباح الصحيفة التي يعملون بها من خلال حصولهم على الأسهم، لكن هذا لا يحدث في البحرين ولا أريد أن أفصل في الموضوع لأنه شائك جداً.
جمعني حديث مع أحد الأخوة وهو يطالب أن تكتب الصحافة عن قضايا كثيرة، فقلت له هل تريد أن أكتب ما طرحته وأكتب اسمك،فقال: «لااااا.. انتوا كتبوا أنا لا تجيب لي طاري».
فقلت له هل تريد من الصحافة أن تحارب نيابة عنك، وأنت لا تملك أن تقول رأيك باسمك؟ ولا تريد أن أكتب اسمك حتى بالحروف؟
هناك من يريد من الصحافة أن تحارب نيابة عنه ليحصل هو على المكاسب إن أتت، أو يحصل الصحافي على العقاب إن حدث، وهذه مفارقة كبيرة يرتكبها البعض، خاصة الذين يتحدثون بالمجالس، تجده يقول كلاماً وآخر ما يقول (عاد لا تكتبون اسمي).
يقاس تقدم الصحافة بمدى الحرية التي تتاح للصحافة، النقد في أي مكان منبوذ، فلا أحد يحب أن تنتقده، حتى نحن في شخوصنا نكره النقد، لذلك فإن الأقلام التي تنتقد العمل وليس الأشخاص، حتى وهي تنتقد العمل تصبح منبوذة وغير محبوبة، وهناك من يحاول أن يحفر لها أو يوشي بها أو يسقط كلام الصحافة على أمور غير صحيحة لتأليب أصحاب القرار، وهذا مؤسف للغاية.
بصريح العبارة؛ فإن هذه المهنة مهنة المتاعب، أو كما يقال «تقصر العمر»، أن تكون صحافياً أو كاتباً فقد قدر لك أن تسير في حقول الألغام، أما أن تتخطاها أو تنفجر بك.
من هنا فإن القليل القليل من يملك النفس الطويل، أو أنه يتعب من المشي بين حقول الألغام فيبحث عن وظيفة أو مهنة لا تجلب عليه السخط، أو وظيفه لا ينقطع فيها رزقه فجأة، أو كما يقال يبحث عن وظيفة تأمن حياة أسرته وليس وظيفة تفجر حياته كلما كتب شيئاً لا يعجب أحدهم.