الرأي

خادم الفقراء والمساكين

بنــــــــــادر


لا يبقى من الإنسان إلا العمل الصالح، وهذه مقولة ليست كلاماً فقط، بقدر ما هي حالة عملية شاهدتها قبلنا كل الأجيال الماضية، ونشاهدها في حياتنا التي نحيا، وسوف يشاهدها من يأتي بعدنا.
بالضبط كما قيل: «ازرع ليحصد غيرك».
والإنسان المحسن، كل إنسان على هذه الأرض، في كل الديانات والقوميات والجنسيات والبلدان، يعرف معنى أهمية العطاء.
ومن أجل تقريب الصورة لمعنى العمل الصالح، لنقرأ شيئاً من تاريخنا المعاصر، لنعرف مدى قوة العطاء في تغيير حياة الناس.
يقول د. عبدالرحمن السميط: حدد لي الديوان الأميري 15 دقيقة أقابل فيها الأمير الراحل جابر الأحمد رحمه الله. وأشرح له فيها أعمال جمعية «العون المباشر» في إفريقيا، فحصلت المقابلة وامتدت إلى ساعة ونصف، ثم قال الأمير لي، متى ستسافر إلى إفريقيا؟ قلت: الأسبوع المقبل، وقبل موعد سفري بيومين أخذ موظفو الديوان الأميري مني تذكرتي ذات الدرجة السياحية، وقالوا لي تعال إلى المطار غداً في الساعة العاشرة صباحاً وسنرتب أمور سفرك كلها. وصلت في الموعد المحدد وإذا بطائرة أميرية في انتظاري، وبداخلها 6 أشخاص، وعندما هممت أن أجلس معهم قالوا، مكانك في الأمام، فلما ذهبت حيث أشاروا، وجدت الأمير رحمه الله، وقد لبس ثوباً كويتياً عادياً وليس عليه «بشت» ولم تصحبه صحافة ولا كاميرات، فلما وصلنا إلى وجهتنا دخل الأمير إلى البلد الإفريقي بجواز عادي باسم «مستعار»، فلم يعرفه أحد في المطار، ولم يدخل إلى قاعة تشريفات. كانت جولة سريعة استمرت ليوم واحد، اطلع فيها رحمه الله بنفسه على بعض مشاريعنا الخيرية في تلك الدولة الإفريقية، ثم غادرها مساءً إلى الكويت، فلما وصلت إلى الكويت بعده بأيام، علمت من مدير حسابات جمعيتنا أن الأمير رحمه الله قد أودع في حسابنا 23 مليون دينار كويتي تبرعاً منه لجمعيتنا.
يقول د. السميط: سألني صاحب السمو الشيخ جابر فقال: «سمعت يا ابني أنه انقلبت فيكم السيارة كم مرة، والأسود حولكم، واللصوص المسلحين، وألغام انفجرت فيكم، لماذا تعرض نفسك لكل هذه المخاطر؟ فقلت له: يا طويل العمر لا أستطيع أن أصف لك اللذة عندما تجد أحد الأيتام كيف كانت حالته، وملابسه ممزقة حافي القدمين ووضعه سيء وقد تحول إلى متعلم وضابط ودكتور ومسؤول كبير».
إن عشرات الأطباء وأساتذة الجامعات والسفراء والوزراء حتى أن وزير الدفاع ونائب رئيس جمهورية ملاوي كان ممن آوتهم جمعية «العون المباشر» التي أسسها د. السميط، لقد كان بمقدوره كأحد أوائل الأطباء الكويتيين أن يعيش حياة رغدة، يمتلك فيها الملايين كما هو الحال مع زملائه وطلبته، لكنه كان يقول: «والله أعطف عليهم، إذ يظنون أن السعادة فيما تحمله من مال، السعادة ليست كم هو حسابك في هذا البنك أو ذاك، لكن السعادة كم هو رصيدك عند رب العزة والجلال». لقد تعلمتُ أن السعادة الحقيقية هي أن أُدخل السعادة إلى قلوب الآخرين، رجال رحلوا عن الدنيا ولازالوا خالدين بأفعالهم وأياديهم البيضاء.
إن كل من يقدم أي شيء، ولو كان على شكل ابتسامة في وجه الناس، أو كلمة تشجيع أو دعم، فإن ما يقوم به يتحول إلى قوة هائلة تلف الكون وتعود على صاحبها بعشرات الأضعاف، فمن يقدم المال سيأتيه المال، ومن يقدم المحبة ستأتيه المحبة من كل الجهات ومن يقدم الخير سيغمره الله بجميع الخيرات. اخدم الفقراء والمساكين، تخدمك الحياة. قم، افعل ذلك، وستجد النتائج بهيئة السحر.